تقلب فاطمة بخيت، نظرها في وجوه الفتيات اليافعات من مرتادات مهرجان «الساحل الشرقي»، وتبدي حسرة على «الزمن الجميل»، تلتفت إلى الجالسة بجوارها لتقول: «هؤلاء (وتشير إلى الفتيات) لم يعرفن «الدزة»، وحين يخطبن ربما يودع عرسانهن مهورهن في حساباتهن المصرفية، بخلاف جداتهن اللاتي تسلمن «الروبيات». وتسهب العجوز التي جاوزت عقدها السابع، في استحضار تفاصيل التفاصيل ل «زفة العروس»، كما كانت تقام في مدن وقرى المنطقة الشرقية، قبل زهاء نصف قرن، وهي وإن اختلفت في تفاصيلها الصغيرة بين الأحسائيين والقطيفيين ودواسر الدماموالخبر. لكنها تتقاطع في خطوطها العريضة، كما تذكر فاطمة بخيت، المسؤولة على ركن «فرشة العروس» في المهرجان. ويستعيد مهرجان «الساحل الشرقي»، المقام حالياً في متنزه «الملك عبدالله» في الواجهة البحرية بالدمام، طريقة «زفة العروس»، وما صاحبها من عادات وتقاليد، تكاد تكون اختفت من الواقع، وإن لا زالت باقية في أذهان من عايشوها إلى اليوم. تبدأ أولى خطوات الزواج في الماضي، من «الخطابة» التي تبحث عن الفتاة بإيعاز من أهل العريس، مقابل أجرة مالية، ثم بعد الاتفاق على الزواج تأتي مرحلة «الدزة»، وهي عبارة عن صرة (قشة) كبيرة، تحوي ملابس العروس وجهازها، مع كيس يحوي ريالات أو روبيات (العملة المتداولة آنذاك). ويُعد ذلك «مهر العروس». وتقول فاطمة، «إن للدزة مراسم جميلة تلاشت وانمحت، ولم يحل محلها شيء أصيل كالماضي»، مضيفة «كانت ربة البيت، أو والدة العروس، تدعو قريباتها ومعارفها، وتحمل العروس صرة النقود في يديها وسط أهازيج النساء والدعوات لها بالتوفيق». وعند الاتفاق على يوم الزفاف، تقوم العروس بإعداد «الخلة» وهي الحجرة المزودة بالألوان والمناظر الجذابة، وتسمى كذلك «الفرشة» للزواج فيها. ويقضي العروسان ليلة الدخلة، إذ تزين الغرفة بالمرايا وقطع «الخلة»، في حين يوضع السرير في نهاية الغرفة. إذ يحتل مساحة كبيرة ويُغطى، بقماش من «الزري»، أما المساند و«الدواشق» والسجاد، فتكون ذات ألوان متعددة يغلب عليها الأحمر. وأضافت فاطمة بخيت، أنه «يوضع صندوق «المبيت» الذي يسمى أيضاً «المطبقية» في الغرفة، لحفظ ثياب العروس. وهو عبارة عن علبة معدنية بغطاء ذي قفل لونه ذهبي. بينما توضع مستلزمات المرأة في «الرواشن» المبنية في جدار الفرشة». وقالت فاطمة: «تعطر فرشة الغرفة بالبخور والعود وخلطات العروس، ويتم توزيعها في أنحاء الغرفة، لتعطي جواً من الراحة، استعداداً لاستقبال المهنئين بالعرس. فيما يسبق ليلة «الدخلة»، ليلة «الحناء»، إذ ترتدي العروس ملابس خضراء. أما العريس، فيذهب برفقه أقربائه وأصدقائه إلى العين، ليغتسل بصابون الطين، ويرتدي الثوب والشماغ والبشت. ويضع «الخنة» ويتبخر». ويزف المعرس إلى بيت الزوجية مشياً على الأقدام، ويمشي معه موكب من المعارف والجيران والأصدقاء، وهم يهللون ويكبرون، وعند الوصول تحمل العروس على سجادة، وهي ترتدي «البشت» على الرأس، ترفعها 4 نساء، وتزف إلى زوجها. وذكرت فاطمة أنه «في يوم الزواج يقدم للعريس بعض أصناف الحلويات، مثل «الخنفروش» و«البلاليط»، مع القهوة العربية. ويبدأ في استقبال المهنئين له بالزواج مع طلوع الشمس، لتنتهي بذلك مراسم الزفاف». السادة صانع «الكر» إلى ذلك، تتنوع تفاصيل مهرجان «الساحل الشرقي» في نسخته الثانية. مستحضراً الحرف والصناعات اليدوية التراثية التي تعكس تاريخ المنطقة الشرقية، وتسلط الضوء على جانب من حياة أهلها في الماضي، وبخاصة خلال حقبة ما قبل ظهور النفط والفترات الأولى من ظهوره. وتظهر هذه الفعاليات والمناشط القديمة لأهالي الساحل الشرقي، وتبرز معالم عن مصدر رزق الأهالي في تلك الفترة الزمنية. وكيف أصبح هذا المصدر من الرزق «شاهد عيان» على أحداث ذلك الزمان، وأصبح موروثاً تتناقله الأجيال إلى اليوم. وبرز من بين المشاركين في المهرجان، الحرفي حسين هاشم السادة (57 عاماً) من بلدة التوبي (محافظة القطيف)، فهو أحد المهتمين بصناعة «الكر» التراثي، الذي ما زال مستمراً إلى اليوم، وإن كان بشكل قليل. وقال السادة: «إن «الكر» أداة يتم استخدامها في ارتقاء النخلة، سواءً من أجل عمليات التلقيح، أو جني التمور، أو التنظيف. وتشبه إلى حد كبير مشغولات السعف المعروفة. لكن خيوطها تكون دقيقة نوعاً ما». وأشار إلى أن عدد الحرفيّين والمهتمين بهذه الصناعة على مستوى المنطقة الشرقية «لا يتجاوز ال20 شخصاً، منهم 5 في التوبي، والباقون موزعون على القديح، والخويلدية، وسيهات، والحلة، إضافة إلى بعض الأشخاص في الأحساء». وذكر أنه يقوم بعمل 5 طلبات من «الكر» خلال الفعاليات والمهرجانات التي يشارك فيها. ولفت إلى مشاركته في فعاليات ومهرجانات عدة، مثل «الجنادرية» في موسمين متتاليين، و«الدوخلة» في القطيف، و«الخبر السياحي»، إلى جانب فعاليات في الظهران، و«الساحل الشرقي» الآن. وأشار إلى أن هذه الصنعة موسمية وتعتمد على طلبات العملاء في الوقت الذي تطلب أمانة الشرقية كميات من هذه المنتجات باستمرار، لاستخدامها في عمليات التشجير التي تقوم بها، موضحاً أنه يقوم بالعمل في هذا المجال في أوقات الفراغ، والذي تعلمه بالممارسة منذ 30 عاماً.