من عادة الدول المتقدمة أنها عندما تضع «خطة خمسية»، فإنها تستهدف بالدرجة الأولى القطاع الاقتصادي من دون سواه، إمّا لجهة تطوير الصناعة، أو الزراعة، أو السياحة، أو القطاع المالي والمصرفي، أو لتعزيز الاستثمار وجذب الرساميل الأجنبية، أو لتحديث البُنى التحتية، أو لاعتماد أنظمة وقوانين جديدة تواكب روح العصر، وتحاكي ما حصل فيه من متغيرات، وغالبًا ما تصطدم الكثير من الدول بعراقيل وحواجز تمنع عليها تحقيق ما خططت له، فيتم تمديد مهلة إنجاز الخطة الخمسية؛ لتصبح عشرية أو أكثر، أو يتم إلغاء الخطة من الأساس نتيجة عدم امتلاك الإمكانات المطلوبة، أو نتيجة سوء التقدير في التخطيط والتنفيذ... أمّا في المملكة العربية السعودية فإن الأمور بكل تواضع مختلفة جداً، إذ تمكنت هذه الدولة الفتية، ليس فقط من اتخاذ قرار البدء بالخطة الخمسية التاسعة؛ ممّا يعني أن ثماني خطط خمسية سابقة قد أُنجزت بالكامل، بل قررت الحكومة السعودية ان تكون الخطة الخمسية التاسعة شاملة لكل الميادين والقطاعات من دون استثناء، بحيث تأتي عملية التطوير جامعة وشاملة لكل المجالات، بما يكفل النهوض بالدولة على سائر المستويات من دون أن يتخلّف أي قطاع عن مواكبة ثورة التحوّلات الكبرى التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. إن الخطة الخمسية الجديدة تؤكد على ركائز مهمة لبناء الوطن والإنسان تتمثل في: على المستوى العام: ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية والأمن الوطني الشامل، وضمان حقوق الإنسان، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وعلى المستوى الديني: المحافظة على التعاليم والقيم الإسلامية، وترسيخ هوية المملكة الإسلامية والعربية، والاستمرار في تطوير المشاعر المقدسة، والخدمات المقدمة إلى الحجاج والمعتمرين والزوّار؛ بما يكفل أداء الشعائر بيسر وسهولة، وعلى المستوى الاقتصادي: تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وذلك من خلال تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، والرفاهية الاجتماعية، وتحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة، وتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنويع القاعدة الاقتصادية أفقيًّا ورأسيًّا، وتوسيع الطاقات الاستيعابية والإنتاجية للاقتصاد الوطني، وتعزيز قدراته التنافسية، وتعظيم العائد من ميزاته النسبية، والتوجّه نحو الاقتصاد المبني على المعرفة، وتعزيز مقومات مجتمع المعلومات، وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتوسيع مجالات الاستثمارات الخاصة «الوطنية والأجنبية»، ومجالات الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص. وعلى المستويين المعرفي والعلمي: تعزيز التنمية البشرية، وتوسيع الخيارات المتاحة للمواطنين في اكتساب المعارف والمهارات، والخبرات، وتمكينهم من الانتفاع بهذه القدرات المكتسبة، وعلى المستوى الاجتماعي: توفير مستوى لائق من الخدمات الصحية، ورفع مستويات المعيشة، وتحسين نوعية الحياة لجميع المواطنين، ومواصلة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والمؤسسي، وعلى مستوى الموارد والبيئة تنمية الموارد الطبيعية - خصوصاً المائية - والمحافظة عليها وترشيد استخدامها وحماية البيئة، وتطوير أنظمتها في إطار متطلبات التنمية المستدامة. هذه هي السعودية التي يتطلع أولياء الأمر إلى بنائها، على رغم كل التحديات والمعوقات، وهذه هي المملكة التي علينا جميعاً كمواطنين مجاراتها، والحفاظ عليها، والإسهام في انطلاقتها إلى آفاق مستقبلية وحضارية رائعة؛ لأنها مستقبل أولادنا وأحفادنا، وغدهم المشرق. رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي