على خلاف أهداف قيادة عمليات بغداد من بناء سور أمني حول العاصمة لحمايتها من تدفق المسلحين اليها، رأى قادة أمنيون وسياسيون انه من دون جدوى في الوقت الراهن، كما رفض الأهالي الفكرة كونها قد تؤجج الروح الطائفية والمذهبية مجدداً لا سيما بعد تصاعد أعمال العنف. وأعلنت قيادة عمليات بغداد الأسبوع الماضي المباشرة بإنشاء السور الأمني المحيط بالعاصمة ليفصلها عن المحافظات المجاورة، ويتكون من سياج كونكريتي وخنادق في المناطق الزراعية، ويلحظ ثمانية مداخل رئيسة للعاصمة عبر ثماني نقاط تفتيش نموذجية. ولا تعد فكرة انشاء الحواجز الكونكريتية مستغربة في بغداد بعد انشاء العشرات منها خلال السنتين الماضيتين لتعزل احياء بغداد عن بعضها البعض لمواجهة اعمال القتل والاختطاف والتهجير الطائفية وأبزر هذه الأسوار سور «الأعظمية» وسور «مدينة الصدر» وسور «السيدية» وكلها لا تزال قائمة. وقال قائد الشرطة الوطنية السابق اللواء مهدي الغراوي ل «الحياة» ان «فكرة بناء سور حول بغداد ليست وليدة اليوم بل تم طرحها قبل عام 2007 لمواجهة اعمال العنف من خلال نظام عزل فعال ومتنوع يتضمن ايجاد 21 منفذاً على الأقل لمنع بث احاسيس بتعرض الأهالي الى سجن مدينتهم، ليتم بعدها نقل القوات الأمنية من داخل العاصمة الى خارجها». وأضاف ان «بناء هذا السور في الوقت الراهن فكرة غير مجدية امنياً واستراتيجياً ومن اقترح الفكرة يتناسى قضايا اساسية اهمها ان العدو يطور استراتيجيته وتقنياته لمواجهة اي معوقات تقف امامه في وقت لم تتمكن الأجهزة الأمنية في مجاراة العدو (المسلحين) لوقف أعمالهم ونشاطاتهم داخل العاصمة بغداد». ولفت الى انه «بدلاً من بناء السور، الذي سيكلف جهوداً مادية وبشرية في مقابل عدم وجود ضمانات حقيقية لتحقيق اهدافه، يجب العمل على حل الأزمات التي تعاني منها الأجهزة الأمنية المنتشرة داخل العاصمة، واستيراد أجيال جديدة من كاشفات المتفجرات ودعم الجانب الاستخباراتي في بغداد». يذكر ان بناء السور حول بغداد يثير اشكالية في تحديد حدود العاصمة التي تتميز بالتشابك وتتصل مع المحافظات المجاورة لها من خلال العشائر العراقية المنتشرة على محيط العاصمة بغداد وغالبيتها من العشائر السنّية. وقال الناطق باسم «قيادة عمليات بغداد» اللواء قاسم عطا ل «الحياة» ان «سور بغداد الأمني سيحوي وعلى امتداده أجهزة مراقبة وتصوير بري وجوي كما سيحوي منظومة اتصال حديثة في كل نقطة من نقاط التفتيش». وتوقع عطا أن «يستغرق بناء السور حتى منتصف السنة المقبلة، وبانتهائه ستباشر عمليات بغداد برفع الحواجز الكونكريتية والسيطرات الداخلية تدريجاً، بالإضافة الى تقليص انتشار العناصر الأمنية داخل العاصمة». وكانت بغداد شهدت تدهوراً أمنياً كبيراً خصوصاً خلال عامي 2006 - 2007، الأمر الذي دفع قيادة عمليات بغداد إلى إنشاء نقاط تفتيش كثيرة، فضلاً عن فصل مناطقها عن بعضها بحواجز كونكريتية، الأمر الذي تسبب بامتعاض شديد من المواطنين بسبب ما أحدثته من اختناقات مرورية. واعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان النائب عادل برواري ان «بناء سور بغداد يأتي رد فعل لتصاعد اعمال العنف والتفجيرات في بغداد بعد الفراغ الأمني والسياسي الذي يحدثه فشل الفرقاء السياسيين في الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة». وقال برواري ل «الحياة» ان «فكرة انشاء سور بغداد طرحت منذ عام 2007 من قبل لجنة الأمن والدفاع الا انه لم يتم الأخذ بها من قبل الأجهزة الأمنية» مشيراً الى ان «انشاء السور حول العاصمة سيعزز الأمن والاستقرار داخلها». وأكد عدد من الخبراء العسكريين والأمنيين ان «الإقدام على تسييج منطقة ما او مدينه ما بسياج حولها يعني فشل الإجراءات في ضبط الأمن داخلها ما يستدعي حصرها وإيجاد منافذ محدودة لها». وقال العميد المتقاعد عبدالكريم الخفاجي ل «الحياة» ان «استراتيجية بناء الحواجز الكونكريتية لجأت اليها القوات الأمنية العراقية والأميركية منذ عام 2006 لمواجهة الفشل في فرض الأمن داخل عدد من المناطق والأحياء في بغداد وعدد من المدن العراقية والحيلولة دون انتقال المجموعات المسلحة والميليشيات من مناطقها للهجوم على مناطق اخرى». وأوضح ان «القوات الأمنية لم تستطع فرض الأمن في شكل نسبي الا بعد تسييج المناطق وعزلها عن بعضها وإيجاد منفذين لها واحد للدخول وآخر للخروج»، مشيراً الى ان «قرار قيادة عمليات بغداد بناء سور امني حول العاصمة يدل على فشل اجراءاتها في وقف العمليات الانتحارية وتفجيرات السيارات الملغمة التي تصاعدت وتيرتها أخيراً». وتتميز الخريطة الديموغرافية للعاصمة بغداد بانتشار العشرات من العشائر العراقية على اطرافها الجنوبية والغربية والشمالية مشكلين حزاماً دائرياً غير محدود ما يجعل بناء سور حولها غير ممكن نظرياً، لأنه سيضطر الأجهزة الأمنية الى عزل الأرياف القاطنة داخل العاصمة بغداد ديموغرافياً الى خارجها بعد بناء السور.