قدم عبد الفتاح السيسي استقالته رسميا اليوم الخميس من منصبه كنائب اول لرئيس الوزراء ووزير للدفاع، غداة اعلانه انهاء خدمته في الجيش وعزمه على الترشح الى الانتخابات الرئاسية المتوقع اجراؤها في ايار (مايو) المقبل، والتي يبدو انه الاوفر حظا للفوز بها. وقالت "وكالة انباء الشرق الاوسط" الرسمية ان السيسي "شارك في جانب قصير من اجتماع مجلس الوزراء صباح الخميس وتقدم باستقالته الى رئيس الوزراء ابراهيم محلب ثم غادر الاجتماع". وبعد ظهر اليوم، اعلنت الرئاسة المصرية في بيان ان رئيس الاركان صدقي صبحي الذي تمت ترقيته مساء الاربعاء من رتبة فريق الى فريق اول، ادى اليمين الدستورية كوزير جديد للدفاع خلفا للسيسي. واضافت انه تمت ترقية رئيس المخابرات العسكرية اللواء محمود حجازي الى رتبة فريق وتعيينه رئيسا لاركان القوات المسلحة. وعبرت عناوين الصحف المصرية اليوم عن شعور عام في البلاد بأن اعلان السيسي عن ترشحه المتوقع منذ شهور تأخر. وكتبت صحيفة "المصري اليوم" المستقلة: "اخيرا، السيسي يعلن رسميا ترشحه للرئاسة" بينما عنونت صحيفة "الوطن" المستقلة "اخيرا، السيسي في امتحان الرئاسة". والسيسي هو الرجل القوي في مصر منذ ان اعلن في الثالث من تموز (يوليو) 2013 عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي الى جماعة "الاخوان المسلمين" اثر تظاهرات شارك فيها الملايين للمطالبة برحيله. ويعد السيسي الأوفر حظا للفوز في السباق الرئاسي الذي اعلن مرشح وحيد حتى الان هو اليساري حمدين صباحي خوضه، بسبب الشعبية التي اكتسبها اثر قراره باطاحة مرسي استجابة لمطالب هؤلاء الذين نزلوا الى الشوارع، وبتأييد آنذاك من كل القوى السياسية باستثناء "الاخوان" وبعض الاحزاب السلفية الصغيرة المتحالفة معها. وبعد ثلاث سنوات من الاضطرابات لم يعد الكثير من المصريين يأملون سوى في عودة الاستقرار وانتعاش الاقتصاد الذي تدهور بشدة، ما ادى الى ارتفاع متراكم في نسبة التضخم وفي كلفة المعيشة. ويأمل هؤلاء ان ينجح السيسي في هذه المهمة. الا ان حملة القمع التي بدأت ضد الاسلاميين، واتسعت بعد ذلك لتشمل نشطاء علمانيين، كانت سببا في تآكل شعبية السيسي وسط قطاعات من الشباب المتعلم عبرت عن غضبها بمقاطعة الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد في كانون الثاني (يناير) الماضي. وفي كلمة متلفزة اذيعت مساء الاربعاء حرص السيسي على مخاطبة الجميع. وحاول ان يطمئن الشباب الذي اطلق الثورة ضد حسني مبارك مطالبا بالحرية والديموقراطية، بتأكيده ان برنامجه الانتخابي يقوم على "رؤية واضحة تسعى لقيام دولة مصرية ديموقراطية حديثة". ومن دون ان يغلق باب الامل، سعى السيسي الى خفض سقف توقعات مؤيديه الذين يأملون في تحسن سريع في احوالهم المعيشية والذين بدأوا يعبرون عن تململهم من خلال اضرابات في قطاعات عدة خلال الشهرين الاخيرين، وقال انه يريد ان يكون "أمينا مع المصريين ومع نفسه". واضاف "لدينا نحن المصريين مهمةَ شديدة الصعوبة، ثقيلة التكاليف والحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية في مصر سواء ما كان قبل ثورة 25 يناير أو ما تفاقم بعدها حتى ثورة 30 يونيو، وصلت إلى الحد الذي يفرض المواجهة الأمينة والشجاعة لهذه التحديات". وتابع "يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا، بلددنا يواجه تحديات كبيرة وضخمة واقتصادنا ضعيف". واكد ان "هناك ملايين من شبابنا يعانون من البطالة في مصر. هذا أمر غير مقبول (...) ملايين المصريين يعانون من المرض ولا يجدون العلاج... هذا أمر آخر غير مقبول". واعتبر انه "غير مقبول" ايضا ان "تعتمد مصر البلد الغني بموارده وشعبه على الإعانات والمساعدات". واضاف "رغم كل الصعاب التي يمر بها الوطن اقف امامكم وليس بي ذرة يأس او شك، بل كلي امل في الله وفي ارادتكم القوية لتغيير مصر الى الافضل". وتابع "لكن يجب علينا ادراك انه سيكون محتما علينا أن نبذل جميعا أقصى الجهد لتجاوز الصعوبات التي تواجهنا في المستقبل". وبينما تعهد السيسي بأن "يظل يحارب كل يوم من اجل مصر خالية من الارهاب"، قال القيادي في جماعة "الاخوان المسلمين" ابراهيم منير لوكالة "فرانس برس" انه "لن يكون هناك استقرار او امن في ظل رئاسة السيسي". واعتبرت الجماعة وانصارها ان السيسي قام ب "انقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب"، بينما يرى معارضوها ان تدخل الجيش جاء استجابة لمطالب الشعب الذي نزل الى الشوارع احتجاجا على ما يصفونه بسعي الجماعة الى الهيمنة على "مفاصل الدولة" وفرض رؤية متشددة للاسلام على المجتمع. ورفضت الجماعة الاعتراف بخارطة الطريق التي اعلنها السيسي نفسه في الثالث من تموز (يوليو) الماضي وتضمنت مرحلة انتقالية يتم خلالها وضع دستور جديد للبلاد ثم اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. ومنذ فض اعتصامي انصار مرسي في القاهرة في 14 اب (اغسطس) الماضي، شنت الاجهزة الامنية حملة قمعية ضد "الاخوان" اسفرت عن مقتل قرابة 1400 شخص وتوقيف نحو 15 الف آخرين من بينهم معظم قادة الجماعة وتتم احالة هؤلاء لاحقا الى المحاكمة باتهامات تتعلق بممارسة العنف او التحريض عليه. وبعد اطاحة مرسي، تعرضت قوات الشرطة والجيش لاعتداءات متكررة، اعلنت "جماعة انصار بين المقدس" مسؤوليتها عن اكثرها دموية وادت الى مقتل بضع مئات من العسكريين ورجال الشرطة. وتتهم السلطات جماعة "الاخوان" بالتواطؤ مع التنظيمات الجهادية المسؤولة عن الاعتداءات على الجيش والشرطة من العسكريين ورجال الشرطة.