يلحق كثيرون كلمة «تكفى» بعبارة «تهز الرجاجيل» في إشارة إلى ما تثيره من نخوة تلغي فرص رفض أي طلب، ويعدها البعض التزاماً واضحاً على من يسمعها فهي تبلغ الحد الأعلى للرجاء، فبين الطلب وتحقيقه تترك «تكفى» وقعاً كبيراً على سامعها. كلمة واحدة اختصرت كل مفردات الإلحاح، إذ اختزلت «تكفى» في حروفها الأربعة تاريخ فزعات الرجال، في ظل قدرتها اللافتة على إقناع مستمعها بقبول ما يرد بعدها، مشهد يمثله رفض شرب فنجان القهوة في المجالس، وهي خطوة تأتي عادةً لتقول بأن رافض الفنجان لن يقبله قبل التصريح بقبول طلبه في التو واللحظة. ولم تكن «تكفى» تعرف الرفض رداً، على الأقل في أزمنة ما كان حضورها فيه دارجاً قبل حاجة ملحة أو أخرى لا تعرف من الإلحاح شيئاً، فكانت واجبة التحقيق إذ يكون قائلها عاجزاً عن الوصول إلى مبتغاه، ليلقي ثقل حمله على أعتاب شهامة الرجال، لتمنعهم الشيمة من الرفض فتتحول الكلمة إلى التزام واجب. وكانت «تكفى» في عز مشاهد حضورها لا تقال إلا لمن هم أهل لها من أصحاب العزيمة القوية، أولئك الذين لا يرفضون طلباً بل يذهبون إلى أبعد من ذلك ليقبلوا الفزعة على رغم عدم معرفتهم بالطلب، وعليهم الالتزام بتحقيق المجهول الذي يعرفونه بعد الموافقة على الفزعة. عميد كلية الآداب في جامعة الملك فيصل الدكتور ظافر الشهري، يشرح تفاصيل الكلمة التاريخية فيقول: «تكفى تسبق عادةً الطلب الملحَّ، مفردة طلب تأتي بالقبول، أخذت في سياق الالتجاء، ولا تقال إلا للشخص القادر على تحقيق الطلب، أما أصل الكلمة فيأتي من الكفاية، أي اكفني حاجتي، وحملت إلزامية التحقيق، إذ لا تقال إلا بعد أن تتقطع بقائلها السبل، ومع بلوغه مرحلة يحتاج فيها المساعدة ليلجأ بها إلى من يتوسم فيهم القدرة على سد كفايته، وعلى وزنها ترد أنخاك وأرجوك، اللتان تحملان قيمة كبيرة في المجتمع». لكن الفوارق كبيرة بين «تكفى» المشار فيها إلى المذكر و«تكفين» للمؤنث، فالأولى تجبر المقصود بها على الالتزام، والثانية ترادف غالباً «لو سمحتِ»، لتكون الأولى واجبة التحقيق فيأتي ردها على شكل «تم» و«أبشر» على رغم جهل الحاجة، والثانية تشترط قدرة المستمعة على فعل ذلك مع معرفة الحاجة مسبقاً، فيطمئن الرجال، وتعيش النساء حال ترقب، لأن الرد قد يحمل اعتذاراً مغلفاً بأسباب جوهرها عدم المقدرة، وإن حققت من امرأة تكون «أخت رجال». أبيات الشعر لم تخفِ المفردة الشهيرة فجاءت غير مرة وفي قصائد مختلفة، لكن القصيدة الأشهر تحمل عنوان «تكفى ترى تكفى تهز الرجاجيل» للشاعر محمد الدحيمي الشهري الملقب ب«أخو تكفى»، إذ جمعت قصيدته بين طياتها دوافع الكلمة ولمن تقال ولا تقال، إذ يقول الدحيمي في أحد أبياتها: «تكفى ترى تكفى تهز الرجاجيل.. لولا ظروف الوقت ما قلت تكفى»، فيما يقول في آخر: «جيتك بكلمة كنها صعقة الويل.. إن قلت تكفى لا تهاون بتكفى»، وتبقى «تكفى» ذات وقع ملح شاهد على ضرورة الحاجة مع تنوع ردودها بين «تم» و«أبشر» و«تدلل» و«صار»، لكن غياب أيٍّ من تلك الردود أو ما يحمل معناها يترك سامع «تكفى» في حرجٍ اجتماعي، وذلك لأنها لا ترد.