ولدت وردة ذات يوم لا تعرف متى تحديداً، وفي مكان ما من الجزائر العاصمة غير معروف بالنسبة إليها. ارتبطت منذ صغرها بالقلم والأوراق البيضاء. يومياتها كانت صعبة بين مدّ وجزر، وفي سن العشرين صارت تحكيها باللونين الأبيض والأسود... لا تملك وردة عنوان بيت، فكل المدن الجزائرية ملكها، وبات الشارع مأواها الوحيد وباب الحياة المفتوحة على كل جميل. ففيه وجدت عائلتها الكبيرة بعدما تأرجحت في السنوات الماضية بين مركز الطفولة المسعفة في «بئر خادم» في العاصمة الجزائرية وبيت إحدى الأُسر التي تكفّلت بها وهي في الخامسة من عمرها. لكنها وجدت نفسها مضطرة للهروب من ذلك البيت، كما قالت ل «الحياة» وهي ترسم وجهاً على ورقة. «ذكريات مؤلمة لا تنسى، بقي اسم الطفلة المجهولة يلاحقني في كل مكان... كرهت المدرسة بسبب الوثائق حيث ظلّت الأسئلة تلاحقني أينما حللت. أين والداك؟ من هما؟». لكن أكثر ما يجرحها نعتها ب «اللقيطة». كلمات قاسية كانت تخدش قلبها وتدميه يومياً، لتجد متنفسها في هواية الرسم ومداعبة الأوراق البيضاء. مهربها اليومي قلم الرصاص في فضاء فسيح اسمه شارع «الشهيد ديدوش مراد» وسط العاصمة الجزائرية. الموهبة وحب الرسم والإصرار على تجاوز عقدة السؤال «من أنا؟» عوامل ساعدت وردة على تحويل المأساة إلى حرفة من أجل كسب الرزق والحصول على المال من خلال رسم وجوه المارة في الشارع. «الأزمة تولد الهمّة»، تردد وردة هذا المثل الجزائري لتعبر عن حالتها. وقد احتلت زاوية في أكبر شوارع العاصمة الجزائرية قرب ساحة «موريس أودان» المحاذية للجامعة المركزية، وهو شارع مكتظ بالمشاة. وتمكنت من استقطاب عشرات الزبائن واهتمام المارة والمتعاطفين معها. لم تتوقف وردة يوماً عن الرسم على رغم كل شيء. لديها رسوم معروضة وأخرى تنتظر أن تجهز، ومنها ما هو رسم صور فوتوغرافية لأشخاص بطلب من أصحابها الذين انبهروا برسمها، والتفّوا حولها لمشاهدة طريقة عملها وكيف تخطّ بقلم رصاص تلك الوجوه وتعطيها لمسة خاصة غالباً ما تضيف إليها ظلالاً جاذبة. وتؤكد الرسامة أن ثمن أعمالها زهيد قياساً بالجهد الذي تبذله في الرسم. والأهم لها هو استقطاب الزبائن وخصوصاً أولئك المحبين لكل ما هو باللونين الأبيض والأسود والشغوفين بإعادة رسم صور لأقارب فقدوهم أو إحياء ذكرى أو جعل الرسوم هدية يقدمونها إلى عزيز. وترى وردة أن الأبيض والأسود يبرزان حقيقة الأشياء وحقيقة الأشخاص من دون زيف، معتبرة أن «الألوان غالباً ما تضفي على الصورة جمالاً إضافياً لا نعرفه ولا نعيشه في الواقع». المكان أيضاً لعب دوراً جوهرياً في ترويج رسوم وردة التي اختارت شارع الشهيد ديدوش مراد لأنه فضاء مفتوح ومحطة للموهوبين وباعة الكتب والتحف القديمة والمعارض الفنية الدورية، علاوة على كونه يستقطب آلاف المواطنين والزوار من الضواحي كل يوم.