زاد الاهتمام بما ينشره العرب على الإنترنت منذ حوادث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وشرع الغرب في توظيف مجموعة من المستشرقين، خصوصاً في وزارات الداخلية ومراكز البحوث. وبرزت ظاهرة التجسّس المعلوماتي، التي عبّرت عنها بوضوح كشوفات خبير المعلوماتيّة الأميركي إدوارد سنودن. إذا أردنا أن نأخذ مثالاً على ما يراه الغرب عن المحتوى المعلوماتي العربي، يمكن الرجوع إلى كتاب «العرب يتحدثون إلى العرب» (les arabes parlent aux arabes) الذي يحتوي على مقالات عرضت في مؤتمر عن التدوين الإلكتروني عقد في فرنسا. وورد في ذلك الكتاب: «يخترع الجيل الحاضر من المستخدمين العرب لغة جديدة تكتب بالأحرف اللاتينيّة... إذ تطايرت العربيّة الكلاسيكيّة لتترك المكان إلى كلمات أو مصطلحات تعبّر عن حقيقة الحياة العاديّة، ما أدّى إلى تخطّي الحواجز الاجتماعيّة والجغرافيّة لخلق حوارات لا سابق لها، خصوصاً في ما يخصّ المسائل التي كانت حكراً على فئة خاصة من المجتمع». كما طرح الكتاب مجموعة من الأسئلة عن تأثير المعلومات والتواصل على المجتمع العربي، وطُرُق ظهور تلك الحقيقة. وطرح سؤالاً عن مساهمة العولمة التقنيّة لوسائط المعلومات، في تغذية الفجوة بين الشمال (الغرب) وبقية الدول، إضافة إلى الفجوة داخل الشعوب العربيّة نفسها. هل تؤدي تلك الفورة المعلوماتية إلى نهضة عربيّة عبر تحريك الشعب في المنطقة حول شعارات سياسيّة متشابهة؟ هل تترك الفورة المعلوماتيّة المكان لشعارات أخرى تدين عجز الضمير العربي؟ هل تؤدي ثورة التقنيّات المعلوماتية إلى نشر ثقافة دينيّة معتدلة، أم أنّها ستصبح أكثر تطرفاً في الفتاوى المختلفة؟ كذلك أضاف الكتاب عينه أنّ مراقبة ذلك الحراك العربي من قِبَل البحّاثة في المجالات كلّها (خصوصاً الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة) تجرى غالباً في الغرب، خصوصاً الولايات المتّحدة. وخلص الكتاب للقول أن البحّاثة العرب ما زالوا يخافون من الانترنت، بفعل خوفهم من امتداد الخطاب الوحدوي المتطرّف على الشبكة. وكخلاصة، يعتمد الغرب على تحليل الإنترنت عبر المُدوّنات الإلكترونيّة، خصوصاً السياسية منها، مُركّزاً على ما تحتويه من أخبار مناهضة للنظام في ذلك البلد أو غيره. وتنصب التحليلات الغربيّة على أنّ الانترنت في العالم العربي تعمل ضدّ الأنظمة. في المقابل، لم يكن للمُدوّنات الإلكترونيّة العربية، على رغم كثرتها، تأثير فعلي في نشر الثقافة بقدر ما كانت تُرى من قبل الغرب على أنّها أصوات محتجّة تعبّر عن المعارضة للنظم السائدة. في المقابل، عندما يهتم العرب بالإنترنت الفرنسي أو الأميركي مثلاً، فإنهم لا يتسقطون أخباراً عن الرئيس فرانسوا هولاند، أو الرئيس باراك أوباما، بل يهتمون بأمور أخرى اجتماعيّة وسياسيّة وثقافيّة وغيرها. وتملك تلك المفارقة دلالة معرفية تستدعي التفكير فيها. ولا بدّ من القول أن الأزمة الثقافيّة مرتبطة تتمدّد على المساحة الفاصلة بين ثقافة التكنولوجيا من جهة وتكنولوجيا الثقافة من جهة أخرى. وتشير اللغة الانكليزية إلى ثقافة التكنولوجيا بمصطلح Technological literacy أي القدرة المعرفية في استخدام التقنيات في المجالات الحياتيّة كلّها. وفي المقابل، يُفهم من تكنولوجيا الثقافة، ما يتغيّر من المعطيات بأثر من التقنية. أخيراً، يقول ابن خلدون: «المغلوب يقلد الغالب... الغالب يفرض ثقافتة لأن المغلوب لا يملك شيئاً لكي يقلد». وإذا نظرنا في الصراعات الماضية، نلاحظ أن الغالب ليس بالضرورة غالباً ثقافياً. وعلى سبيل المثال، غلب الرومان الإغريق عسكريّاً، ولكن الحضارة اليونانيّة فرضت ثقافتها وكانت أساس الثقافة الرومانيّة. وهزم الهكسوس الفراعنة، لكنهم سرعان ما سقطوا أسرى الحضارة الفرعونيّة الوطيدة التي استطاعت لاحقاً أن تقلب هزيمتها نصراً. هل باستطاعة العرب، في أوضاعهم السياسيّة حاضراً، أن يؤثّروا في ثقافات الغرب عبر ال «سوشال ميديا»؟