يلفت في إعلان اليابان إطلاق مركبتين الى الزهرة، وهو الكوكب الاقرب الى الأرض، ان أحداهما تحمل اسم "إيكاريوس". ثمة كثير من الحضور اليوناني في خيال العمل التكنولوجي - الفضائي لليابان، ربما يعطي للبلاد الإغريق لمسة عزاء في أزمتها الإقتصادية الطاحنة. حسناً، لا تأتي النساء من الزهرة، ولكن ذلك الكوكب يحمل اسماً من "هُن"، بالإحرى اسم ربة الأنوثة في الميثولوجيا الإغريقية الغابرة: فينوس Venus. وتقول الاسطورة انها ولدت في صَدَفة، بفعل مباشر من كبير الألهة زيوس، وأنها خرجت من البحر شاكية السلاح، وأن سطوة جمالها بلغت حدّ انها كانت تصرع العمالقة بنظرة من عينها! ومن الاساطير اليونانية عينها، استوحت اليابان اسم مركبة فضاء هي الأكثر تقدماً في تكنولوجيا الطاقة الكونية: إيكاريوس. تتخذ هذه المركبة اليابانية شكل شراع شمسي، بمعنى ان لها شكل شراع ممتد وأنها تمتص اشعة الشمس وتحوّلها الى طاقة تدفعها في مغامرة اكتشاف الكون! ويستعيد الاسم اسطورة إغريقية عن الإله المُغامر "إيكاريوس" الذي صممّ ان يلاقي الشمس بعد ان وقع في غرامها. فصمم أجنحة قوية كأنها أشرعة عملاقة. وطار صوب الشمس. ولكن ريش تلك الأجنحة لم يكن سوى شمعاً، فصار يذوب كلما اقترب العاشق من عشيقته. إنه الحب في ذروة المأزق الوجودي (بالمعنى الذي اراده المفكر الفرنسي جان بول سارتر): كلما اقتربت من الحبيب، كلما اقتربت من استحالة الوصول إليه، بل ان السعي الى الوصول هو عينه السعي الى المستحيل. ويصل المستحيل ذروته في تفجّر المأزق الوجودي. إذ يذوب الشمع كله، ويهوي العاشق الى حبه الأبدي المستحيل. يصعب معرفة سبب اختيار تقنيو اليابان تلك الاسطورة الإغريقية الوجودية الملامح، لكنهم أطلقوا اسم الإله اليوناني الطائر نحو المستحيل. والارجح انهم يسعون الى كسر "الاستحالة"، بل ان التكنولوجيا التي استخدموها في جناح "إيكاريوس الياباني" تمكنه من تحويل حبه للشمس الى طاقة تقرّبه منها، على عكس المصير المفجع لإيكاريوس اليوناني القديم. وفي قول آخر، يقبّل "إيكاريوس" الياباني حبيبته الشمس، فيرتشف منها طاقة، ويزداد منها قرباً! ربما يخطر في بال البعض ان اليابان استطاعت تحقيق المستحيل في التحوّل الى عملاق اقتصادي، وانها تستمر ثاني اقتصاد عالمياً، على رغم الأزمة العالمية وبالضد من توالي الضربات لصناعة السيارات فيها. ويعقد البعض أصابعه رجاءاً، كما فعل قادة المجموعة الأوروبية أخيراً، على أمل ان يطير إيكاريوس اليوناني المعاصر بنجاح، وأن يستطيع استخدام اموال المساعدة والدعم لليونان، إضافة الى ما يزيد على نصف تريليون يورو لدعم العملة الاوروبية، كي يستمر في محلقاً صوب النجاة والحياة.