لم يكتفِ فيكتور يانوكوفيتش بتوقيع معاهدة تمدد إيجار ميناء سيباستوبول على البحر الأسود الى الأسطول الروسي 25 عاماً لقاء تخفيض كبير في تعرفة الغاز الروسي، فحرم ستيبان بانديرا، قائد الأنصار القوميين الأوكرانيين في اثناء الحرب الثانية والمقاتل ضد النازيين وضد السوفيات معاً، من لقب البطل القومي، وتبذل حكومته وسعها في سبيل تنصيب الروسية لغة رسمية ثانية. وها هو، غداة شهرين على ابتداء ولايته الرئاسية، يتصدى لمجاعة 1932 - 1933، والرأي الأوكراني فيها ركن من اركان اوكرانيا المستقلة الرمزية. فهو ذهب الى ان مجاعة 1932 - 1933 لم تكن إبادة خص بها الحكم السوفياتي، وعلى رأسه ستالين، أوكرانيا. ويخالف هذا قوانين البلد، ففي 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 اقترع البرلمان الأوكراني (الرادا) على نص يحمل المجاعة على إبادة متعمدة. وأثبتت مذكرة صدرت عن محكمة استئناف كييف، في 13 كانون الثاني (يناير) 2010، الرأي نفسه، ونددت بسعي النظام التوتاليتاري البلشفي في تدمير جزء من الجماعة الوطنية الأوكرانية تدميراً مادياً وجسدياً. وعلى هذا، يبطل يانوكوفيتش رأي برلمانات استونيا وأوستراليا وكندا والمجر وليتوانيا وجورجيا وبولندا والبيرو وباراغواي والإكوادور وكولومبيا والمكسيك ولاتفيا، وكلها اعلنت رسمياً إدانة مجاعة 1932 - 1933 بوصفها إبادة في حق الشعب الأوكراني. وتلاحظ ناتاليا دزيوبينكو - مايس، الكاتبة الأوكرانية وأرملة جايمس مايس، الاختصاصي الأميركي في المجاعة (الأوكرانية) الكبرى، أن آراء يانوكوفيتش في وقائع التاريخ الأوكراني ليست مفاجئة. فحزبه، حزب المناطق، أعلن حين إنشائه، أنه يخلف الحزب الشيوعي السوفياتي. والقادة الجدد لا يعرفون ثقافة سياسية غير الثقافة الشيوعية السوفياتية، وهم لا يدارون إعلان احتقارهم الدستور الأوكراني والقوانين الأوكرانية. والقوة السياسية القديمة عادت، وبعثت من جديد. وهي لا تتستر على إرادتها إلغاء الروح الوطنية، وإنكار وجوهها التي تفتحت منذ الاستقلال. وفجأة «لم نبق في أوكرانيا بل صرنا في نقيض أوكرانيا». وفي الأثناء يبث التلفزيون ثقافة روسيا باللغة الروسية، بينما تقلصت حصة الثقافة واللغة الأوكرانيتين الى أقل القليل. ويعد القادة الجدد والسابقون الأوكرانيين برخاء اقتصادي مضمون «لقاء تبعية كاملة لاقتصاد الشعب الشقيق»، وعناقه الخانق. والحق ان الذاكرة الوطنية الأوكرانية هي حصن الأوكرانيين من عودة الماضي الاستعماري. وعلى الأوكرانيين ان يفكروا بأولادهم، وباحتمال إرسالهم، في مستقبل قريب، مقاتلين في حروب ظالمة، ووقوداً لها في الشيشان وداغستان وجورجيا. ويانوكوفيتش، على ما يبدو، لا يدري في اي دولة أو بلد يعيش، على رغم انتخابه رئيساً للدولة. ولن يتأخر القادة الجدد، خدم الكرملين، عن صوغ دستور جديد، وسن قوانين جديدة، وكتابة تاريخ جديد، إذا لم نتصدّ لهم. * صحافية، عن «دِن» الأوكرانية، 6/5/2010، إعداد وضاح شرارة.