لا شك في أن العالم شهد على مدار العقود الأخيرة، تحولاً كبيراً في أدوار المرأة، وذلك مع نجاح المنظمات النسائية حول العالم في تحقيق مزيد من الإنجازات الرائدة في مجال تمكينها وتعزيز مفهوم المساواة بين الجنسين على مختلف الصُعد. وجدير بالملاحظة، أن هذا الأمر لم يكن ليتحقّق لولا الجهود الحثيثة من المؤسسات الحكومية والأهلية التي تؤمن بقدرة المرأة على إحداث التغيير الإيجابي في محيطها، والتفاعل الإيجابي من الحكومات التي ترى في المرأة شريكاً حقيقياً للرجل في بناء المجتمعات المتحضّرة. فالمرأة اليوم أصبحت موجودة في مختلف المجالات، وكان بعضها حكراً على الرجال حتى الأمس القريب. ومثل لذلك، نجد أن وزراء دفاع أربعة بلدان أوروبية من النساء، في حين سنّت بلدان ومنها النروج وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وهولندا، تشريعات تلزم حكوماتها بتمثيل المرأة بحصة لا تقل عن 30 في المئة في مجالس إدارات الشركات. ولم تكن الإمارات بعيدة من تلك التطورات، فقد أطلقنا مبادرة «المرأة في مجلس الإدارة»، لتعزيز تمثيل المرأة في مجالس الإدارة في القطاعين العام والخاص، في حين اعتمد مجلس الوزراء قراراً ملزماً بهذا التمثيل. ومنحت الإمارات المرأة جلّ اهتمامها، واتخذت خطوات لا سابق لها لزيادة مساحة مشاركة المرأة في مختلف المجالات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية. وأعتبر شخصياً، أن تأسيس «مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين»، وهو الأول من نوعه عربياً، أحد البراهين الواضحة لحرص الإمارات على مواكبة ركب التقدّم الإنساني بمنح المرأة فرصتها كاملة في حياة متوازنة ومستقرة. وما كان ذلك ليتحقق لولا إيمان القيادة الرشيدة لدولة الإمارات بدور المرأة الفاعل في المجتمع، ودعمها المتواصل لها، وحرصها على توفير البيئة التي تمكّنها من القيام بهذا الدور على الوجه الأكمل. وكانت نتيجة هذا الدعم زيادة نسبة تمثيل المرأة في سوق العمل من 3.4 في العام 1975، إلى 11.7 في المئة خلال العام 1995. بينما تمثّل المرأة اليوم نسبة 47 في المئة من سوق العمل في الدولة، كما تشغل نحو 66 في المئة من الوظائف الحكومية، و30 في المئة من مناصب صنع القرار في دوائرها، فضلاً عن كونها تمثّل 70 في المئة من مجموع الخريجين على مستوى الدولة. وقد اتخذ اهتمام دولتنا بالمرأة أشكالاً عدة، ونجد ثماره حاضرة في أكثر من إنجاز، فمثلاً، تصدّرت الإمارات مجال التعليم العالي للمرأة وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في الفجوة العالمية بين الجنسين 2013. كما تصدّرت مؤشر احترام المرأة عالمياً في الحفاظ على كرامتها وتعزيز مكانتها، واحتلت المرتبة الأولى عربياً في تمكين المرأة قيادياً وبرلمانياً. وقد انضمت الإمارات إلى اتفاقات تُعنى بالمرأة وتكفل لها حقوقها، مثل «اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»، إضافة إلى مواصلة تقديم الدعم لميزانية هيئة الأممالمتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، إذ خصصت لها مبلغ 5 ملايين دولار أميركي في عام 2014. كما احتلت الإمارات المرتبة الأولى عالمياً في معدّل التحاق المرأة بالتعليم من المدارس الثانوية إلى الجامعات، وبلغت النسبة 92 في المئة وفق تقرير مؤشرات التطور الاجتماعي 2014. وتضم الإمارات أعلى نسبة تمثيل نسائي في الشرطة على مستوى الدول العربية بإجمالي 13 ألف شرطية، بينما تمثّل المرأة الإماراتية 22.5 في المئة من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي الذي ترأسه امرأة للمرة الأولى على المستوى العربي عموماً. وقصدتُ من إبراز تلك الإنجازات، إلقاء الضوء على مدى اهتمام القيادة الرشيدة والجهد الذي يشارك فيه المجتمع في مجال دعم المرأة، حيث كان لتعزيز مشاركتها أثر حيوي في تطوّر الإمارات ودفع مسيرتها الطموحة قُدُماً في شتى مساراتها. وتأتي التغييرات التي أعلنها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في هيكل الحكومة الاتحادية، لتصبّ في الاتجاه ذاته، إذ عكس إنشاء مجلس شباب الإمارات برئاسة وزيرة في الثانية والعشرين من العمر، مدى الثقة التي توليها القيادة الإماراتية للمرأة والشباب. كما أشعر بمزيد من الفخر والاعتزاز لبلوغ حصة المرأة من الحقائب الوزارية ضمن التشكيل الوزاري الجديد 27.5 في المئة، وهو إنجاز كبير للمرأة في دولتنا. وتمثّل الإنجازات التي حققتها المرأة الإماراتية، علامات مضيئة على طريق التقدّم والتغيير الإيجابي. فأضحت نموذجاً يُحتذى في المشاركة الفاعلة في دفع عجلة تطور المجتمعات العربية، والتصدّي بكفاءة للتحديات التي يفرضها واقع سريع التغيّر من أجل توفير حياة أفضل لها ولأسرتها ومجتمعها ووطنها. إنني على ثقة تامة بأن العمل الجاد الذي نقوم به ونساء العالم انطلاقاً من مواقعهن المختلفة، سيحمل مكاسب إضافية كثيرة تعزز دور المرأة خلال العقد المقبل. وستساهم في تفعيل هذا الدور لتكون شريكة ذات نصيب أكبر في بناء المجتمع وتحمّل المسؤولية ضمن مختلف المجالات. إننا نعتبر استضافة الإمارات «منتدى المرأة العالمي» في دبي (23 – 24 شباط/فبراير) تحت شعار «لنبتكر»، وللمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خطوة جديدة مهمة على هذا الطريق، حيث سنسعى من خلال هذا التجمّع العالمي إلى تسليط الضوء على جهود دولتنا، ودول المنطقة كلها، الرامية إلى تعزيز مكانة المرأة، ومناقشة دورها المستدام، بهدف توسيع دائرة تأثيرها على الصعيد العالمي، وتعظيم مساهماتها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإلهام الأجيال المقبلة من النساء للمشاركة بفاعلية في بناء الأوطان وترسيخ مقومات رفعتها وازدهارها. * رئيسة مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، رئيسة مؤسسة دبي للمرأة