قبل ثمانين عاماً استدعى الملك جورج الخامس زعماء الاحزاب البريطانية الرئيسية (المحافظون والعمال والاحرار) الى قصر باكنغهام وطلب منهم التعاون لتشكيل حكومة ائتلافية لانقاذ الاقتصاد الوطني في اعقاب تدهور العملة والعجز الكبير وارتفاع البطالة بسبب ازمة المال في وول ستريت وانعكاساتها على العالم. لكن الملكة اليزابيت الثانية، بقيت امس في قلعة ويندسور، تنتظر اتصالاً من 10 داوننغ ستريت، يفيد برغبة رئيس الحكومة زعيم حزب العمال غوردون براون بالاستقالة بعد اختيار البريطانيين مجلس عموم من دون غالبية وحصول حزب المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون على 306 مقاعد، بزيادة 97 نائباً، مقابل 258 مقعدا للعمال بخسارة 91 نائباً و57 للديموقراطيين الاحرار بزعامة نيك كليغ والذين فقدوا خمسة نواب على رغم نيلهم 23 في المئة من اصوات الناخبين (اقل بستة في المئة من العمال)، والباقي لاحزاب مختلفة ما يعني عدم تحقيق غالبية حزبية قادرة على الحكم بمفردها. واستمر براون متمسكاً بالحكم، قائماً باعمال رئاسة الحكومة، في وقت بدأت مقايضات محافظة وعمالية مع الديموقراطيين الاحرار، الذين تلقوا «غصن زيتون» من براون وكاميرون لتشكيل حكومة مختلطة او للتعاون في اسرع وقت ممكن بعد استقالة براون، وكما قال كاميرون، الذي طالب براون ب«الرحيل» عن «داوننغ ستريت» بعد فقدانه الشرعية، وفي بيان تلاه امس «لمصلحة انقاذ بريطانيا». وكان براون وعد باجراء محادثات مع حزب كليغ في حال فشل «الحوار المحافظ مع الديموقراطيين». وفي الانتخابات، التي شهدت نسبة اقتراع تجاوزت 65 في المئة واستمر فرز الاصوات فيها على مدى 18 ساعة لم يفز المرشح العمالي من اصل لبناني بسام محفوظ الذي نال شريحة كبيرة من الاصوات العربية في دائرة ايلينغ. ولم يحالف الحظ النائب السابق عن حزب «الاحترام» جورج غالاوي الذي كان ايد الرئيس السابق صدام حسين ضد الغزو الاميركي - البريطاني للعراق وزعيم الحزب الوطني اليميني (النازي) نيك غريفيس. في المقابل كانت شابانا محمود وياسمين قريشي اول سيدتين مسلمتين تفوزان بمقعدين عن حزب العمال في برمنغهام وبولتون من اصل 22 سيدة آسيوية مسلمة تنافست على مقاعد في مجلس العموم عن مختلف الاحزاب، وارتفع عدد النواب المسلمين في المجلس من اربعة الى ستة. وكانت المفاجأة فوز زعيمة «الخضر» في بريطانيا كارولين لوكاس في المقعد البرلماني الاول للحزب وخسارة رئيس حكومة مقاطعة ايرلندا الشمالية (المحلية) بيتر روبنسون بسبب فضيحة زوجته ايريس التي عشقت شاباً في عمر احفادها، بينما نجا مختلف وزراء حزب العمال من الهزيمة على رغم ان اثنين من اركانه، بينهم وزيرة الداخلية السابقة جاكي سميث، خسرا مقعديهما. وغاب حزب المحافظين، على رغم مكاسبه، عن تحقيق اي تقدم في اسكتلندا ووويلز ما دعا الوطنيين في المقاطعتين الى التشكيك في اهليته لحكم المملكة المتحدة بكاملها. وبقي غوردون براون «قائماً باعمال رئيس الحكومة» مع انه حقق اقل معدلات التصويت الشعبي لزعيم عمالي منذ مايكل فوت زعيم الحزب رئيس الوزراء العام 1963. وبدا ان عرض كاميرون لزعيم الليبيراليين لم يلق صدى طيباً لديهم خصوصاً انه تمسك بسياسة المحافظين الدفاعية النووية اضافة الى رؤياهم في شأن اوروبا والهجرة. وفُسر عرض كاميرون بانه مقدمة للمفاوضات او انه لاحراج كليغ ومن ثم تشكيل حكومة اقلية تمهد لانتخابات سريعة بعد فترة يعتقد حزب المحافظين بانه سيحسن موقعه الانتخابي فيها. ويريد كاميرون استعجال استلام رئاسة الوزراء وتشكيل حكومة مستقرة قبل يوم الاثنين لاعطاء دفع لاسواق المال، ومن ثم الجنيه الاسترليني، التي كانت تأثرت سلباًً منذ مساء الخميس عندما ظهر استطلاع هيئة الاذاعة البريطانية ان البرلمان لن يضم غالبية لاحد الاحزاب الثلاثة. وخسر مؤشر «فايننشال تايمز – 100» 137 نقطة واقفل عند 5123 نقطة في حين تراجع سعر صرف الاسترليني الى 1.47 دولار و1.156 يورو.