تبنّت مجالس إدارات الشركات النفطية الكبرى إستراتيجيات مختلفة للخروج من أزمة تراجع الأسعار، في موازاة تطبيق أكبر خفض لإنفاقها. ودفع تراجع النفط أكبر خمس شركات نفط في العالم إلى تسجيل انخفاض حاد في الأرباح خلال الأيام الأخيرة. ويواجه الرؤساء التنفيذيون لشركات الطاقة معضلة توازن صعبة حيث يجب عليهم خفض الإنفاق للحفاظ على سلامة الوضع المالي لشركاتهم، وفي الوقت ذاته الحفاظ على البنية الأساس وطاقة الإنتاج بما يتيح لهم المنافسة والنمو عندما تتعافى السوق. وتتبنى الشركات إستراتيجيات مختلفة لتحقيق نمو في المستقبل وتفضل غالباً التركيز على مجالات خبراتها والمواقع الجغرافية لأصولها الرئيسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تنسحب شركات «شيفرون» و «كونوكو فيليبس» و«هيس كورب» الأميركية من المشاريع في المياه العميقة الأكثر كلفة، لتركز على حقول النفط الصخري في الولاياتالمتحدة. وتراهن «بي بي» البريطانية على حقول الغاز البحرية في مصر فيما فضلت «رويال داتش شل» مساراً بديلاً، حيث تسعى إلى تأمين مستقبلها من خلال الاستحواذ على «بي جي غروب» في صفقة بقيمة 50 بليون دولار. وفي السنوات الخمس التي سبقت الهبوط الحاد لأسعار النفط، تسابقت شركات الطاقة الكبرى على زيادة الطاقة الإنتاجية، وتشمل شراء حصص في حقول كبيرة مكلفة. وعلى رغم ذلك خفضت الشركات إنفاقها الرأسمالي الإجمالي خلال العام الماضي وألغت خططاً لمشاريع عملاقة تكلف البلايين لتطويرها وتستغرق ما يصل إلى عشر سنوات حتى تصل إلى مرحلة التشغيل. وقال المحلل لدى «بي إم أو كابيتال»، بريندان وارن: «تريد الشركات إحداث توازن بين دورات الاستثمارات الطويلة والقصيرة الأمد وبين الحفاظ على موازنات عمومية قوية لتمويل نشاطاتها أثناء دورة الهبوط». وأضاف أن التركيز على مجالات خبرة ومناطق جغرافية بعينها يمكنه أن يقدم للمستثمرين «قيمة فريدة». وعلى رغم أن تطوير آبار للنفط الصخري قد يكون أكثر كلفة من بعض مشاريع المياه العميقة على أساس كلفة البرميل، فإن الاستثمارات ذات الدورات الأقصر والأقل خطراً في التنفيذ تعني أن الشركات يمكنها جني الأرباح سريعاً. وانصرفت شركات أصغر مثل «كونوكو فيليبس» و «هيس» أيضاً عن مشاريع المياه العميقة واتجهت إلى إنتاج النفط الصخري من الحقول البرية بما في ذلك باكين شيل في ولاية نورث داكوتا. وكانت «بي بي» من بين شركات قليلة جداً وافقت على مشاريع كبيرة العام الماضي مع قرارها استثمار 12 بليون دولار في مشروع للغاز بغرب دلتا النيل في مصر. وتستند الإستراتيجية جزئياً إلى خططها التي تهدف لتحقيق جزء كبير من نمو إنتاجها في المستقبل من حقول الغاز البحرية قبالة السواحل المصرية. لكن الشركة، التي سجلت أكبر خسارة لها على الإطلاق الأسبوع الماضي، لا تملك مشاريع كثيرة طويلة الأجل مثل تلك التي تتفاخر بها «شيفرون». ويرجع مشروع «بي بي» للتطوير أيضاً إلى حقيقة بيع الشركة أصولاً بما يزيد على 50 بليون دولار بعد التسرب النفطي الكبير في خليج المكسيك عام 2010، ما أسفر عن هبوط حاد في الإنتاج. وعلى النقيض اتجهت «شل» في مرحلة مبكرة من الهبوط إلى الاستحواذ على «بي جي غروب» البريطانية في أكبر صفقة يشهدها القطاع منذ عشر سنوات. وستجعلها الصفقة تحتل مركز الريادة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال والنفط من الحقول البحرية في البرازيل وزيادة احتياطاتها من الطاقة بنحو الخمس. وقال المحلل لدى «تودور بيكرنغ هولت أند كومباني»، أنيش كاباديا، إن «إكسون» الأميركية ربما تحتاج إلى الاقتداء ب «شل» والسعي وراء صفقة اندماج واستحواذ كبيرة بعدما فاجأت الكثيرين في السوق الأسبوع الماضي بخفض إنفاقها للعام الحالي إلى 23 بليون دولار. وقيمت «تودور بيكرنغ هولت آند كومباني» سهمي «شيفرون» و «شل» بتوصية «بالشراء» وسهم «بي بي» «بالاحتفاظ» وسهم «إكسون» «بالبيع». وتبدو «شتات أويل» النروجية و«توتال» الفرنسية في موقف وسط حيث ألمحتا إلى أنهما لن تستثمرا في مشاريع جديدة هذا العام لكنْ لديهما أيضاً خطط لمشاريع كبيرة في السنوات المقبلة ستعوض انخفاض الإنتاج.