لماذا يا «ماما» لا يمكنك أن تصطحبيني وتأخذيني من وإلى المدرسة يومياً؟ لماذا عليك الخروج للعمل كل يوم؟ ألا يمكنك تناول الغذاء معنا؟ لماذا علينا أن ننتظرك طويلاً حتى تعودي؟.. أسئلة مستمرة ومتكررة يسألها أولادي تزيد من حدة المعركة الداخلية اليومية بين الأم والمرأة العاملة. فتتعالى أصوات الأم وتقول: اتركي العمل وركزي في تربية أبنائك. سيتناولون طعام الغذاء بمفردهم. ماذا لو أصابهم مكروه ولم تكوني موجودة؟ هم مسؤوليتك الأولى والأخيرة. ماذا سيقدم لك عملك لو خسرت ابناءك؟ لماذا تلقين المسؤولية على الآخرين؟ والكثير من الأسئلة والملامات التي تجادل بها الأم المرأة العاملة التي تقول: إن سر التربية يكمن في قيمة وجودة الوقت الذي تقضيه الأم مع أطفالها وليس في طوله. كم من ربات بيوت تفرغن لتربية أبنائهن ولم يؤثر فيهن، وكثيرات منهن لا يعرفن شيئاً عن أبنائهن حتى العصر. لقد استودعتهم عند الله ووجودي لن يمنع وقوع الأذى. لقد وفرت لهم البيئة الآمنة بقدر الإمكان. عملي إضافة مادية ومعنوية للعائلة كلها وليس لي كفرد. معركة صاخبة بأصوات عالية تتزاحم في رأسي يومياً وأنا أودع أولادي كل صباح عند خروجهم للمدرسة. فالأم العاملة تعيش في صراع عاطفي مستمر بين رغبتها وإيمانها بأهمية دورها مع الأبناء وضرورة بقائها معهم ورعايتها لهم، وبين إيمانها بأهمية دورها كامرأة عاملة لها دور تجاه نفسها وتجاه مجتمعها. لفت نظري «إيميل» من أحد القراء معلقاً على مقالة «العاملة المنزلية» التي تحدثت عن مشكلة الخادمات والمبالغ الهائلة التي تنفقها العائلة الواحدة من أجل اتباع النظام واستخدام العمالة النظامية للمساعدة في المنزل والأبناء. اقترح صاحب الرسالة أن حل هذه المشكلة بسيط جداً وهو بقائي أنا و«أمثالي» من السيدات العاملات في المنزل لتربية الأبناء. للحظات تمنيت أن يكون الحل بهذه البساطة وأن تحظى كل امرأة بالرفاهية اللازمة لتختار أولوياتها وتقرر بكل أريحية إن كانت تريد أن تعمل أو تبقى في المنزل. لكن هذه الرفاهية غير موجودة، فخروج المرأة للعمل أصبح ضرورة ملحة للكثيرات فرضتها عليهن ظروف الحياة والمتطلبات المتزايدة للحياة العصرية. المرأة تخرج للعمل للمشاركة في توفير حاجات الحياة الأساسية لها ولأسرتها. اليوم المرأة المتزوجة وغير المتزوجة تعمل لتعتمد على نفسها وتستطيع أن تكون إنسانة مستقلة اقتصادياً فلا تحتاج لأن تعتمد على أب، أو أخ، أو زوج، أو عم، أو أي كان ليطعمها ويوفر لها حاجاتها. وكثيرات من السيدات لا يتمتعن برفاهية توفير ما يحصلن عليه من راتب شهري لأنفسهن لاضطرارهن الى المشاركة في أعباء الحياة اليومية إما مع الزوج، أو الأب أو حتى مع الأم. كثيرات يرغمن على تسليم رواتبهن كاملة لأزواجهن ولا يتمتعن بأي جزء منها كضريبة لسماح الزوج لهن بالعمل. وهناك من يصرفن بشكل كامل على منازلهن، بل ويكون للزوج مصروف شهري مقتطع من راتب زوجته، ومن خلال عملي الصحافي أقابل منهن الكثيرات المضطرات للعمل والمجبرات على الخروج وترك أطفالهن بطريقة أو بأخرى. فالمعركة الداخلية بين الأم والمرأة العاملة لن تنتهي داخل أي امرأة تشعر بالمسؤولية المعنوية والمادية تجاه عائلتها، ولكن تبقى «الأم العاملة» التي تحاول أن تخلق التوازن شبه المستحيل بين أبنائها وعملها بأقل المساعدات والتسهيلات الممكنة سواء من الزوج أو جهة العمل في مجتمع لا يوفر التسهيلات لعمل النساء. [email protected]