لم يحسن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون قراءته المزاج البلدي في المتن الشمالي، خصوصاً في البلدات التي بقيت خارج الائتلاف ما أتاح لمنافسه فيها نائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر اكتساح المجالس البلدية بالتحالف مع العائلات وحزبي «الكتائب» و «القوات اللبنانية» على رغم ما شابه من ثغرات أدت الى تبديل التحالفات في بعضها من دون أن تبدل في النتائج لمصلحة المر الذي أثبت انه الناخب الأقوى في البلديات المتنية وهذا ما سيظهر جلياً من خلال التجديد لابنته رئيسة بلدية بتغرين ميرنا المر أبوشرف لولاية جديدة على رأس اتحاد بلديات المتن الشمالي من دون منافسة، نظراً الى تحالف المر والكتائب والعائلات يسيطر على 28 بلدية من مجموع 33 بلدية يتشكل منها الاتحاد. وأحدثت نتائج الانتخابات البلدية إرباكاً لدى محازبي «التيار الوطني الحر»، باعتبارها جاءت مخالفة لكل توقعات ماكينته الانتخابية تماماً كالإرباك الذي أصاب الحزب السوري القومي الاجتماعي بسبب تراجع حضوره البلدي الذي يقتصر حالياً على بلديتي ديك المحدي (مسقط النائب السابق غسان الأشقر) وضبيه على رغم أن المر تقاسم الانتصار مع «القومي» عبر دعمهما الائحة الفائزة برئاسة قبلان الأشقر ضد اللائحة المدعومة من تحالف عون - الكتائب. وبطبيعة الحال فإن الخسارة البلدية ل «التيار الوطني» تجلت في ساحل المتن الشمالي إذ لم يفز منه سوى عدد من أعضاء المجالس البلدية التي خيضت المعارك فيها على أساس الائتلاف وتحديداً في بلديتي الدكوانة والبوشرية - السد - جديدة المتن، فيما أتاحت المعركة في ضهور الشوير الفوز للائحة الياس أبو صعب ضد مرشح «القومي» الرئيس الحالي للبلدية نعيم صوايا، علماً أن ابو صعب يتعاطف مع «القومي» وكان من المحسوبين عليه. ولدى مراجعة الخريطة النهائية للانتخابات البلدية، فإن «التيار الوطني» سجل حضوراً رمزياً في جديدة المتن والدكوانة، في مقابل خسارته المجالس البلدية في سن الفيل على يد رئيسها الحالي نبيل كحالة المنتمي الى حزب الكتائب والمدعوم من المر والزلقا - عمارة شلهوب، انطلياس، جل الديب، بياقوت وضبية. وتعود خسارة عون لهذه البلديات الى أنه رضخ لنصائح ماكينته الانتخابية وفريقه المكلف بتركيب اللوائح المتنية وفيها أنه الأقدر على ربح المعارك فيها حتى ولو كان وحيداً وبالتالي من الأفضل له رفض الائتلاف إلا في حال إقرار الآخرين بالتسليم له بأنه الأقوى من دون منازع. وفوجئ عون بنتائج الانتخابات في ساحل المتن الشمالي التي بقيت خارج الائتلاف في ضوء الانتصار الساحق للمر وحلفائه فيها، خصوصاً في سن الفيل، الزلقا - عمارة شلهوب وانطلياس مع أن نتائجها حملت التجديد لرؤساء بلدياتها الحاليين الذين كانوا موضع انتقاد من قبل عون لدى إعداده لخوض الانتخابات النيابية في حزيران (يونيو) الماضي. كما أن عون دفع ثمن الازدواجية التي شابت مواقفه في الحملة الانتخابية النيابية مقارنة بخطابه البلدي الذي سحب منه الحملات التي شنها في السابق على عدد من رؤساء البلديات ووافق على الائتلاف في الدكوانة وجديدة المتن في لائحتين الأولى برئاسة انطوان شختورة، والثانية بزعامة انطوان جبارة، وكلاهما كان في عداد المستهدفين من رؤساء البلديات في خطابه النيابي، لا سيما أنه تعهد محاسبتهما الى جانب عدد من رؤساء البلديات العائدين الى سدة الرئاسة لولاية جديدة. وفي الأسباب التي أدت الى غياب عون عن المجالس البلدية الكبرى، واقتصار حضوره على مجالس متواضعة من حيث العدد والتأثير في البلديات من جهة وفي الخريطة السياسية المتنية من جهة ثانية وتحديداً على المجالس البلدية في بصاليم، نابيه، ومزرعة يشوع فإن المصادر المواكبة للمفاوضات الائتلافية أو لتلك التي تعثر فيها التوافق، أبرزت الاعتبارات الآتية: - أن النواب المنتمين الى «تكتل التغيير» عن المتن الشمالي، خصوصاً نبيل نقولا وغسان مخيبر وإبراهيم كنعان أخفقوا في تسجيل انتصار في بلداتهم «مسقطهم» فيما فازت اللائحة المدعومة من إدغار معلوف في كفر عقاب بفارق بسيط من الأصوات بينما انخرط سليم سلهب في ائتلاف في بعبدات أدى الى فوز اللائحة برئاسة عماد لبكي المؤيد من معظم الأطراف السياسية في البلدة. - أخطأ عون عندما استحضر ثلاثة من قياديي «التيار الوطني» من خارج المتن الشمالي هم بيار رفول، نعيم عون، وأنطوان نصرالله وكلفهم مهمة التفاوض من أجل الائتلاف حيث ينجح والإعداد لخوض المعركة في البلدات التي يتعامل معها على أنه الأقوى والقادر على حسم النتائج فيها. وكان يفترض الاعتماد على فريق مفاوض من المتن الشمالي، إضافة الى النفور الذي ظهر بوضوح لدى بدء المفاوضات وعلى سبيل المثال عدم الانسجام بين النائب إبراهيم كنعان ومنصور فاضل المكلف العمل من أجل التوافق في جديدة المتن. - بدا واضحاً أن «التيار الوطني» لم يكن على إلمام كافٍ بمزاج العائلات التي أظهرت أنها القوة الضاربة في حسم نتائج معظم البلديات بخلاف مقدرة المر على استيعابها، لا سيما في ساحل المتن الشمالي ومن ثم الكتائب في المتن الأوسط. - اعتبر عون أن نتائج الانتخابات البلدية في البلدات التي تعثر فيها التوافق ستحمل صدمة في أوساط خصومه، تدعوهم الى مراجعة حساباتهم تماماً كالصدمة التي أحدثتها في الانتخابات النيابية. وكان من الأجدى له عدم الركون الى الانتصار الذي حققه في النيابة باعتبار انه فاز بأصوات الأرمن والشيعة التي لم يكن لها من تأثير راجح في البلديات لسبب يعود الى أن الغالبية من الأرمن «الطاشناق» تنتخب في برج حمود وأن البقية لن تكون مؤثرة كما حصل في النيابة باعتبار أن تأثيرها محدود في عدد ضئيل من البلدات، إضافة الى أن الطاشناق قرر أن يتبع الاقتراع المتوازن فيها رغبة منه في عدم إغضاب عون من ناحية وتجنبه لتجديد الاختلاف مع المر من ناحية ثانية. - إن عون لم يتحضر للمعركة البلدية وظل يراهن على عدم إنجازها في موعدها وهذا ما أحدث خللاً في ماكينته الانتخابية حاول التعويض عنه في مجالين: الأول، التوافق في بعض البلدات المتنية والإعداد لمعركة في بعضها الآخر انطلاقاً من تقديره بأن الفوز سيكون حليفه، على أن ينصرف كلياً لخوض الانتخابات في قضاء بلاد جبيل ليرأس اتحاد البلديات فيها. لذلك لا بد من إجراء مقارنة بين عون والمر، لتبيان النقاط التي تفوق فيها الأخير على الأول وفي مقدمها أن نائب رئيس الحكومة السابق وكعادته، يبدأ في الإعداد للمعركة النيابية المقبلة فور الانتهاء من الانتخابات وكذلك بالنسبة الى البلديات، وهو يتواصل لهذه الغاية مع جميع العائلات في لقاءات تكاد تكون شبه يومية يعقدها في مقره في عمارة شلهوب. وبكلام آخر فإن المر يبقي على ماكينته الانتخابية أكان في النيابة أم في البلديات شغالة على مدى 24 ساعة. وهو ما يوفر له الجاهزية التامة لخوض الانتخابات في أي لحظة، إضافة الى براعة المر في جمع الأضداد تحت سقف إدارته السياسية وعدم الانقطاع عن خصومه التقليديين في البلدات بمن فيهم الذين يصنفهم البعض على خانة عدم قدرته على استردادهم. فالمر لا يؤمن بأنه على عداوة دائمة مع أحد من العائلات سواء كان كبيراً أم صغيراً وهو يتبع سياسة النفس الطويل في احتواء من يحرد منهم ولديه من الحضور في البلدات ما يمكنه من الاطلاع على جميع أوضاع العائلات بمن فيها خصومه وهذا ما يفتقده «التيار الوطني»... الذي يطل عليها في المناسبات ولم يتمكن حتى الساعة من توثيق علاقته بها على رغم الشعبية التي يتمتع بها عون ولا أحد ينكرها عليه.