داً على مقال الباحث عبدالرحمن الخطيب المنشور بتاريخ 28-4-2010 العدد (17192) بعنوان «ملاحظات على مادة التوحيد». مما يؤسف له أن يتصدى للكتابة والتحقيق في مسائل الدين كتّاب وباحثون يمتلكون المادة العلمية، لكنهم يخطئون في النقل، ويحمّلون النصوص ما لا تحتمله، ثم يدعون أنها مقتضى ذلك القول أو حكمه. ومن أمثلة ذلك ما كتبه الباحث عبدالرحمن الخطيب، حين زعم أن الطالب تتم تنشئته في السعودية عبر مادة التوحيد، ليتخرج من الثانوية وهو يعتقد أن كل من هو خارج المملكة خارج عن الملة! وهذا قول لم يذكر الباحث عليه دليلاً كما لم يسبقه إليه أحد. كما ادعى الباحث أن مادة التوحيد لا تدرس خارج المملكة، متجاهلاً أن مادة التوحيد تدرس في جميع مراحل الدراسة في الدول الخليجية، كما تدرس في الدول العربية والإسلامية، ولنضرب مثالاً بالكويت، إذ يدخل التعليم الديني ضمن خطة التعليم في وزارة التربية، ويدرس الطلاب مادة التوحيد في المراحل الدراسية حتى الثانوية، وعلى رغم ذلك يدعي الخطيب قائلاً ما نصه: «هذه المادة لا تدرس مطلقاً في أي بلد عربي أو إسلامي». فنسأل الخطيب أليست الكويت بلداً عربياً إسلامياً؟ وكذلك في مصر تدرس مادة التوحيد في الأزهر وفي معاهد إعداد الدعاة، وكذلك تدرس في فلسطين وفي اليمن وباكستان وغيرها من الدول الإسلامية. لكن لماذا اختار الخطيب في ملاحظاته على مادة التوحيد أن يحتج بأن التوحيد لا يدرس في أي بلد في العالم العربي والإسلامي غير السعودية؟ هل كان يقصد أن يقول لنا إن أميركا وأوروبا والصين واليابان تدرس التوحيد؟ لا طبعاً، وإنما كان قصده أن يقول: لا أحد يدرس التوحيد في العالم إلا السعودية. واحتج الخطيب لكلامه على أن مادة التوحيد تعلّم الطالب السعودي أن يكفر أهل الأرض كلهم بحديث زعم أن نصه: من استنجى برجيع دابة أو عظم فقد أشرك. وأقول: إن نقل الخطيب خاطئ، فحديث رويفع لفظه: «فإن محمداً بريء منه»، وهذه الرواية أثبت من رواية ابن لهيعة التي فيها: «فقد برئ مما أنزل على محمد» وحتى لو صح اللفظ، فليس محمولاً على الشرك الأكبر، وحتى لو قيل ذلك فهو محمول على ما يكفر به المرء في ما ليس شركاً أكبر في نفسه، وهو ارتكابه المحرم مع استحلاله، بيد أن الأرجح في معنى الحديث هو إمرار أحاديث الوعيد كما جاءت، وليس الاحتجاج بها على أنها تنص على الشرك الأكبر، وليس في الحديث أي كلمة تقول: «فقد أشرك» كما ادعى الباحث. كما أن المؤلف استشهد بالحديث في الباب لتحريم الرقى والتمائم والتولة، ولكن لفظ الحديث جاء فيه النهي عن الاستنجاء بالعظام والروث، ولم يقل أحد من علماء الإسلام إن الاستنجاء بالروث شرك، ولم يبوّب أحد من أهل التوحيد باباً بعنوان «الاستنجاء بالروث والعظم شرك» كما بوبوا للسحر والكهانة والرقى والتمائم ودعاء القبور ونحوها، بل كلهم نصوا على ما استنكره الخطيب وسخر به، وهو أنه عليه السلام نهى – نهي تحريم - عن الاستنجاء بهما، لأنهما طعام الجن، وهذا من باب الإخبار بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فنحن لا نعلم شيئاً عن طعام الجن، ولا نعرف شيئاً عن أحوالهم إلا من الوحي، وما جاءنا من طريق الوحي فيهم نصدقه، فكما صدقنا خبر وجودهم من طريق الوحي، نصدق خبر طعامهم من طريق الوحي، وإلا فما الفرق بين الأمرين؟ وادعى الخطيب أن هذا الحديث ينبغي حذفه، لأنه لم يعد مناسباً للعصر الحاضر، وكأن المسائل الدينية يفرض عليها أن تدرس وفقاً لرؤية العصر الحاضر، لا وفقاً لما عليه الأمر في نفسه! فهل يقول لنا الخطيب: وكذلك أدلة تحريم السحر لم يعد تدريسها مناسباً للعصر الحاضر؟ لأن أكثر أهل العصر ينكرون وجود السحر، فهل يقول: لم يعد من داع لذكر حكم السحر، لأنه لم يعد مناسباً للعصر الحاضر؟ وهناك من أنكروا وجود الجنّ أصلاً، فهل يقول أيضاً: يجب أن نلغي وصف الكهانة بالشرك، لأن عالم العصر الحديث لا يصدقون بوجود الجن، والجن هم الذين يخدمون الكهنة؟ إن الباحث الفاضل وغيره من الباحثين جاءوا إلى مادة التوحيد بعقائد مسبقة تحتج على ما فيها، ولذلك يريدون إجراء تعديلات في هذه المادة لا وفقاً للعقيدة الإسلامية نفسها، ولكن وفقاً لما يرون أن العصر اقتضى تعديله وحذفه، وذلك لعمري من أخطائهم وأخطاء العصر، وليس من أخطاء التوحيد! [email protected] ضوئية لمقالة الزميل عبدالرحمن الخطيب.