تواصل الجدل في ألمانيا وأوروبا حول اقتراح وزير المال الألماني فولفغانغ شويبله إنشاء «صندوق نقد أوروبي» على نسق «صندوق النقد الدولي» لإقراض الدول الأعضاء في منطقة اليورو التي تواجه صعوبات مالية. وفي حين أيدت ألمانيا وفرنسا والمفوضية الأوروبية بحذر فكرة إنشاء الصندوق، عارضها البنك المركزي الأوروبي وخبراء كثر بشدَّة كونها تتناقض مع معاهدات الاتحاد الأوروبي، وحذَّروا من تداعياتها. ونبع اقتراح شويبله من خلفية العجز المالي الخطر الذي وقعت فيه اليونان ووصلت إلى حدّ الإفلاس. وأصبح معروفاً أن دولاً أعضاء مثل البرتغال وإرلندا وإيطاليا وإسبانيا تواجه حالياً مصاعب مالية جمَّة يمكن أن تسير بها أو ببعضها إلى الحافة التي بلغتها اليونان. وبدأت أثينا أخيراً كفاحاً قاسياً داخلياً وخارجياً لتفادي الأسوأ يُتوقع أن يستمر لسنوات بعدما بلغ العجز في موازنتها في آخر تدقيق أجرته المفوضية الأوروبية 13,6 في المئة بدلاً من 12 في المئة، فيما المسموح به بحسب معاهدة ماستريشت ثلاثة في المئة فقط. وقال شويبله إن المساعدة «يجب أن تقتصر على الحالات الطارئة لتأمين سيولة عاجلة تجنِّب العجز عن الدفع، لكن يتوجب وضع شروط صارمة ورسوم باهظة» على الدولة المعنية. وبعدما رفض في اقتراحه تقديم ضمان بحصول دول محتاجة على سيولة عاجلة مسبقاً أضاف: «يجب الحفاظ على إمكان إفلاس دولة ما». ونقلت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (الغرفة) عن مراقبين ألمان، أن التأييد الذي محضته برلين وباريس وبروكسيل لاقتراح شويبله لم يكن بدوره خالياً من الحذر. فقد أظهرت المستشارة أنغيلا مركل «تأييداً مبدئياً» له قائلة إنها تجد الفكرة «جيدة ومثيرة للاهتمام» لتضيف «أن أموراً كثيرة لا تزال في حاجة إلى درس». وفيما وصفت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد الاقتراح ب «الفكرة الجديرة بالاهتمام» وجدت أن «لا أولوية على المدى القصير لإنشاء صندوق نقد». ونقلت صحيفة «فاينانشل تايمز دويتشلاند» الاقتصادية الألمانية عن مصادر وجود خلاف بين مركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي، على رغم تأييده المبدئي للاقتراح، يرفض فكرة تعديل المعاهدات الأوروبية من جديد، وهذا أمر لا ترى مركل بديلاً منه إذا رغب المرء فعلاً في إدخال إصلاحات في مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وذكرت الصحيفة أن برلين وباريس تريدان درس الموضوع سوية لإعداد اقتراحات مشتركة حول الصندوق. وقرَّرت المفوضية الأوروبية بدورها مناقشة موضوع الصندوق من دون اتخاذ قرار في شأنه. وقال مفوض النقد الأوروبي أولّي ريهن إنه سيسلِّم زملاءه ال 26 في الاتحاد اقتراحاً متكاملاً حول الموضوع أواخر حزيران (يونيو) المقبل على أبعد تقدير «شرط موافقة جميع الأعضاء عليه». وأضاف أن الصندوق «آلية من آليات عدة يمكن اعتمادها للاستفادة من درس العجز المالي الكبير الذي وقعت فيه اليونان». ولم يُعرف بعد بصورة قاطعة ما إذا كانت فكرة الصندوق تشمل دول منطقة اليورو ال 16 فقط أم كل دول الاتحاد ال 27. وعلى رغم أن رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه اكتفى بالقول إن مجلس الإدارة «سيدرس الاقتراح»، حذَّر كبير خبراء البنك يورغن شتارك بشدَّة من فكرة إنشاء صندوق نقد أوروبي. وعدَّد شتارك الأسباب لصحيفة «هاندلسبلات» الاقتصادية الألمانية، باعتباره أن الآلية «لا تتوافق، أولاً، مع أسس وحدة النقد للاتحاد الأوروبي المتعامل بها»، وثانياً لأن الصندوق «يعني بدء عملية تعاضد مالي بين الدول الأعضاء تكون مكلفة جداً»، وثالثاً لأن الدول التي تسود فيها فوضى مالية «لن تغيِّر مع ذلك من مسلكها». وذكرت الصحيفة أن معارضة البنك المركزي الأوروبي لاقتراح شويبله وترحيب المفوضية الأوروبية به «يمكن أن يؤديا إلى نزاع سياسي، لكن من الواضح ان الجميع لا يبدي استعجالاً لوضع الاقتراح على جدول الأعمال». وذكر رئيس مجموعة اليورو رئيس حكومة اللوكسمبورغ جان كلود يونكر أن اقتراح إنشاء الصندوق لن يُطرح في اجتماع وزراء مال دول منطقة اليورو قبل وصول اقتراح رسمي من المفوضية ومن ألمانيا وفرنسا وآخرين «لتكوين صورة واضحة عما يعنيه بالفعل». وفيما أعرب رئيس البنك المركزي الألماني أكسل فيبر المرشح لخلافة تريشيه العام المقبل عن عدم تأييده إنشاء مؤسسة أوروبية جديدة، وعن حذره من «فكرة التعاضد المالي بين الدول الأوروبية لتسديد الديون المحتاجة منها» رفض رئيس معهد البحوث الاقتصادية الألماني «إي في» ميشال هوتر الفكرة. لكن كبير خبراء مصرف «دويتشه بنك» توماس ماير، أحد أشدّ مؤيدي إنشاء الصندوق، وصف حجج زميله في المركزي الأوروبي ب «غير المقنعة». ورأى أن الهدف من الصندوق «إطفاء الحريق الذي يشتعلُ بين الأسواق المالية والدولة المفلسة عملياً، والعمل بإيجابية على إنهاء أزمتها المالية». أما خبير «كوميرتس بنك» ميشائيل شوبرت فأعرب عن اعتقاده بأن البنك المركزي الأوروبي الرافض «يخوض معركة خاسرة أمام الحكومات الأوروبية في حال رغ`بت فعلاً في إنشاء صندوق نقد».