أعلن وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي أن المملكة ستنفق 107 بلايين دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة في مجال التنقيب والإنتاج وقطاع التكرير والمعالجة والتسويق للنفط والغاز، مشيراً إلى أنها استثمرت أكثر من 63 بليون دولار على مدار السنوات الخمس الماضية لرفع طاقتها الإنتاجية إلى مستواها الحالي. وقال النعيمي في كلمته أمام منتدى فرص الأعمال السعودي - الأميركي الذي بدأ أعماله في شيكاغو: «على رغم تنامي الشكوك السياسية والاقتصادية والبيئية، والضغوط التي فرضتها الأزمة المالية على استثمارات الطاقة في أجزاء من العالم بسبب التقلبات والانهيار المبدئي للأسعار في أعقاب الأزمة، إلى جانب أزمة الائتمان اللاحقة، فإن استثمارات النفط والغاز في المملكة العربية السعودية لم تتأثر وحافظت على قوتها وزخمها». وأعرب عن تفاؤل كبير بشأن مستقبل الطاقة والطلب على النفط، ومستقبل صناعة الطاقة، وكذلك مستقبل اقتصاد المملكة مع تحسّن الاقتصاد العالمي، وقال: «في الوقت الذي باتت تنقشع ببطء سحابة الأزمة المالية والاقتصادية، والتي تعد الأسوأ منذ عقود، ودخول العالم مسار نمو جديد، ومحافظة أسعار النفط على مستوياتها الأكثر استدامة، يتملكني شعور كبير بالتفاؤل بشأن مستقبل الطاقة والطلب على النفط، ومستقبل صناعة الطاقة. كما أنني متفائل بشأن مستقبل الاقتصاد السعودي، الذي يدخل هو الآخر مرحلة جديدة من التطور والنمو». وركز وزير البترول في كلمته على ثلاثة مواضيع رئيسية هي: مساهمة النفط في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين السعودية والولايات المتحدة، واستجابات المملكة وصناعتها النفطية للتحديات التي تواجه صناعة الطاقة العالمية، ثم العوامل الرئيسية التي تحدد قرارات المملكة في مجالات الإنتاج والاستثمار والبحث والتطوير الخاصة بالنفط والغاز. وشدد على أن السعودية مقبلة على أحد أكثر البرامج الطموحة في مجال التكرير والمعالجة والتسويق في تاريخ صناعة النفط السعودية، إضافة إلى مجموعة من مشاريع توسعة المصافي وتحديثها ودمجها مع مرافق المواد البتروكيماوية، الأمر الذي ستتمخض عنه استثمارات بعشرات البلايين من الدولارات خلال السنوات الخمس المقبلة. وأكد أن المملكة ماضية بالتعاون مع شركائها الدوليين «لبناء ثلاث مصاف داخل المملكة في الجبيل، وينبع، وجازان. كما قمنا بالتعاون مع شركة «سوميتومو» اليابانية بتحديث مصفاة رابغ ودمجها مع مجمع للبتروكيماويات، في الوقت الذي نسير فيه قدماً لإنجاز خطط بناء مشروع عملاق للبتروكيماويات بالتعاون مع شركة «داو كيميكل» الأميركية». وأوضح أن السعودية على رغم مواردها الهيدروكربونية الكبيرة، فإنها تسعى إلى تطوير إمكاناتها الذاتية المتجددة من خلال الطاقة الشمسية، كما يتجلى في تكوين مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة. وحذّر النعيمي من أن «تراجع الاستثمار في موارد الطاقة التقليدية لمصلحة الموارد التكميلية التي تنعقد عليها آمال كبيرة في تحقيق أمن الطاقة، قد يؤدي لحدوث أزمة في إمدادات الطاقة واستقرار السوق»، مؤكداً أنه كما تحتاج صناعة النفط أفقاً بعيد المدى فإن البدائل الأخرى تحتاجه أيضاً. ولفت إلى أنه «مرّ على العالم أجيال وأجيال حتى تم تطوير إمكانات كبيرة للوقود الأحفوري وتشييد بنيته الأساسية المطلوبة، وبالمثل ستحتاج تلك المصادر الأخرى وقتاً طويلاً، واستثمارات ضخمة». وتطرق إلى مستقبل الاقتصاد السعودي ودور قطاع النفط، وقال إن المملكة واصلت جهودها لتوسيع نطاق واستثمارات العلوم والتقنية والوصول بهما إلى مستويات أعلى. وتم إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، كما أن المملكة بصدد إنشاء مركز الملك عبدالله لدراسات وأبحاث النفط في الرياض ليقود حركة بحوث الطاقة والبيئة ودراسة السياسات المرتبطة بهما في المملكة، «ونتوقع أن هذه المؤسسات الجديدة ستقود حركة البحوث في مجال الطاقة الشمسية، والتقنية الحيوية، والمياه، والأنظمة البيئية، وعلوم المواد، وغيرها من المجالات، التي من شأنها أن تسهم في تحقيق الهدفين الرئيسيين لتنمية الموارد البشرية والتنويع الاقتصادي». وبالنسبة إلى قطاع النفط، قال إن هدفنا من تنويع الاقتصاد لا يعني نهاية أو تقليص حجم الاستثمارات والمشاريع النفطية، مؤكداً أن النفط كان وسيظل مصدراً مهماً للدخل وعاملاً مؤثراً في تحقيق هدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاستثمارات التي نفذت بالفعل أو التي نعتزم تنفيذها في مجال التنقيب والإنتاج وقطاع التكرير والمعالجة والتسويق ستسير بالتوازي مع استثماراتنا الأخرى الرامية إلى تنويع اقتصادنا. وأشار إلى أن استثماراتنا في مجال التنقيب والإنتاج والمعالجة الخاصة بموارد الغاز أسهمت في تحقيق زيادة احتياطاتنا بنسبة 27 في المئة وزيادة إنتاجه بنسبة 60 في المئة ليرتفع من 5,3 بليون قدم مكعبة في اليوم إلى 8,5 بليون قدم مكعبة في اليوم في الفترة من 2000 حتى 2009، واليوم أكثر من نصف إنتاج المملكة من الغاز هو من الغاز غير المرافق، ومع إكمال حقول «كران ومنيفة وعربية والحصباة»، سيرتفع إجمالي طاقة معالجة الغاز إلى أكثر من 15,5 بليون قدم مكعبة في اليوم بحلول عام 2015. وتابع قائلاً: «كما أننا مقبلون على مرحلة جديدة من التكامل بين النفط والقطاعات الصناعية في المملكة، إذ تمكنا من إنجاز المرحلة الأولى الخاصة بتطوير المواد البتروكيماوية الأساسية، ونعمل حالياً على تعزيز المواد الكيماوية الوسيطة والمتخصصة سواء من خلال دمج المصافي مع مرافق البتروكيماويات أو الاستثمار بهدف الاستحواذ على القيمة المضافة بأكملها من إمكاناتنا البتروكيماوية»، مشيراً إلى أن قرب الانتهاء من خط السكك الحديد بين الشمال والجنوب لنقل ترسبات خامي الفوسفات والبوكسايت إلى المدينة التعدينية الصناعية في رأس الزور في الخليج العربي لمعالجتهما إلى ثنائي فوسفات الأمونيوم وأحادي فوسفات الأمونيوم وألمونيوم يجسد أحد عناصر إستراتيجية التصنيع هذه. وذكر أن السعودية أدركت منذ وقت طويل أن استثماراتها المرتبطة بالنفط والغاز وتحلية المياه تتمخض عن توفير سلع وخدمات تقدر بعشرات البلايين من الدولارات سنوياً، ولذلك «فإننا نعمل بالتعاون مع القطاع الخاص للمضي قدماً في تطوير وتوسيع نطاق خدمات الطاقة والصناعات التحويلية. كما أننا ندعو جميع الشركات العالمية للانضمام إلينا في إنجاز هذا القطاع الواعد الذي نتوقع أن يصبح قائداً اقتصادياً في المنطقة وفي العالم أجمع». ووصف النعيمي السنوات القليلة الماضية بأنها كانت «حرجة بالنسبة لاقتصاد العالم وصناعة الطاقة العالمية»، إذ شهدت السنوات الخمس السابقة للأزمة المالية العام 2008 نمواً اقتصادياً ملحوظاً بلغت نسبته 4,8 في المئة، وزاد حجم الطلب على الطاقة والنفط بمعدل سنوي بلغ في المتوسط 3,2 في المئة و 1,8 في المئة على التوالي، وارتفعت أسعار النفط من 31 دولاراً للبرميل في المتوسط في 2003 إلى 100 دولار في عام 2008، وشهدت تلك الفترة أيضا أكثر تقلبات الأسعار في تاريخ النفط، حيث قفزت الأسعار من نحو 25 دولاراً للبرميل خلال نيسان (أبريل) 2003 إلى 147 دولاراً خلال تموز (يوليو) 2008.