تحذر دراسة حديثة للجيش الأميركي من نقص في طاقة الإنتاج النفطية الفائضة ابتداء من عام 2012 لتتوسع وتتطور إلى عجز في الإمدادات النفطية بنحو 10 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2015. وصدرت الدراسة عن قيادة القوات المشتركة للجيش الأميركي، بعنوان «تقرير بيئي للعمليات المشتركة»، واستعرضت التقرير جريدة «غارديان» البريطانية ونشرات نفطية متخصصة. يأتي التقرير من ضمن مسلسل الدراسات حول ما أصبح يعرف بأدبيات «ذروة النفط»، وهي النظرية التي تدعي أن الدول المنتجة للنفط، والعربية منها بالذات، لا تستطيع أن تلبي الطلب المستقبلي العالمي على النفط في الأمد القريب. وتؤكد الدراسة أنها لا تعبر عن وجهة نظر الحكومة الأميركية، بل «تطرح أسساً للتفكير في إستراتيجيات لخريطة طريق لقواتنا». ويُذكر أن كلاً من وكالة الطاقة الدولية ودائرة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأميركية لا يؤيدان صحة نظرية «ذروة النفط» في السنوات القليلة المقبلة، بل إن دائرة معلومات الطاقة الأميركية أشارت مرات عديدة أنها لا تتوقع حصول «ذروة النفط» حتى «عقود طويلة». فحوى الدراسة هو الآتي: ليست المشكلة الرئيسة في السنوات القريبة المقبلة نقصاً في الاحتياطات النفطية فقط، بل نقص أيضاً في معدات الحفر والمهندسين وطاقات التكرير. وتختلف هذه العوامل طبعاً إلى حد ما عما يتداوله مروجو نظرية «ذروة النفط»، الذين يركزون في شكل أساسي على عدم كفاية الاحتياطات النفطية العربية لتلبية الطلب العالمي المستقبلي للنفط. وتحذّر الدراسة من أنه «حتى لو بدأت اليوم حملة محدودة لتصحيح العجز، سيأخذ الأمر نحو 10 سنين قبل أن يستطيع الإنتاج أن يلحق بالطلب على النفط». وتتوقع أن أزمة طاقة حادة آتية لا محالة، إذا لم تُتّخَذ خطوات كبيرة وسريعة للتعامل مع النقصان في الإنتاج والطاقة التكريرية. وتتوقع الدراسة أيضاً أن تترتب نتائج صعبة للغاية من هذا الوضع الجديد المحتمل، إلا أنها لم تحدد بالضبط هذه النتائج «الكارثية». وتذكر الدراسة أن «الآثار السياسية، على رغم صعوبة التنبؤ بها، قد تكون دراماتيكية». كما تضيف: «قد يؤدي التباطؤ الاقتصادي إلى إثارة مشاكل مستترة أخرى، كما يمكن أن يدفع بالدول الضعيفة والواهنة إلى حافية السقوط». هناك مئات التقارير والدراسات حول «ذروة النفط»، والسؤال: ما الذي يمكن لصناعة النفط العربية، وهي المستهدفة، عمله لدحض هذه النظرية، والإجابة على ادعاءات أصحابها؟ طبعاً، بادر بعض كبار المسؤولين النفطيين في الدول المنتجة إلى الإجابة في المحافل الدولية على هذه الادعاءات، وتكلموا بلغة الأرقام. فهناك محاولات دائبة لزيادة الإنتاج خلال السنوات المقبلة، خصوصاً خلال هذا العقد، وهي الفترة التي يتحدث عنها تقرير الجيش الأميركي. فهناك، على سبيل المثال، لا الحصر، زيادة الطاقة الإنتاجية في السعودية إلى نحو 15 مليون برميل يومياً، والعراق إلى 12 مليون برميل يومياً، ناهيك عن الزيادات المحدودة في الإمارات والكويت، واحتمال ارتفاع الإنتاج، بعد الاكتشافات الأخيرة، في كل من البرازيل وأنغولا. تصاعدت الحملات الإعلامية ضد الدول النفطية منذ أوائل السبعينات. وكان محور الانتقادات أن الإمدادات النفطية من الدول العربية غير آمنة أو موثوق فيها. واستُغلّت المقاطعة النفطية العربية في خريف عام 1973 بحيث رُدِّدت هذه المخاوف في معظم المؤتمرات البترولية والمناسبات السياسية. ونعتقد أن شعار «ذروة النفط» هو الموروث الطبيعي للشعار القديم «عدم الاطمئنان إلى سلامة الإمدادات النفطية العربية وضمانها». والسبب في ذلك هو مبادرة الدول النفطية العربية الكبرى إلى التعاون والتنسيق مع المجتمع الدولي لتأمين الإمدادات النفطية في أحلك الظروف السياسية في السنوات الماضية. لقد أُفرِغ الشعار القديم من محتواه ومضمونه، وربما يصل الشعار الجديد إلى المصير ذاته، أي الإهمال. يهدف استمرار طرح الشعارين إلى خلق شعور عام عند المستهلك بعدم الاعتماد على النفط، خصوصاً العربي منه، والتحول إلى مصادر أخرى للطاقة. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة