عقد البرلمان المصري أمس أولى جلساته بعد أكثر من ثلاثة أعوام من الفراغ التشريعي. وعرض «ائتلاف دعم مصر» قوته، بعدما أعلن المنافسة على رئاسة كل اللجان وتمريره بسهولة انتخاب مرشحه لرئاسة مجلس النواب علي عبدالعال، وهو أستاذ للقانون الدستوري ونائب عن قائمة «في حب مصر» التي كان يقودها مسؤولون أمنيون وعسكريون سابقون محسوبون على الرئاسة. لكن هذا لم يمنع حصول فوضى تنظيمية وتضارب في الآراء بين الأعضاء، في ظل غلبة النواب المستقلين، فيما تعهد الرئيس عبدالفتاح السيسي «دعم السلطة التنفيذية للبرلمان الجديد، في إطار تام من الاحترام الكامل لمبدأ الفصل بين السلطات». ويُنتظر أن يدخل البرلمان سريعاً في معركة تعديل لائحته الداخلية، بما يتوافق مع نصوص الدستور الجديد، قبل أن يبدأ في تشكيل لجانه النيابية التي ستظهر إلى حد بعيد أوزان القوى أسفل قبة البرلمان، قبل أن يناقش نحو 300 قانون أصدرها الرئيس السيسي وسلفه الموقت عدلي منصور. ويتوقع أن يصوت البرلمان قبل نهاية الشهر الجاري على برنامج حكومة شريف إسماعيل الذي سيعرضه الوزراء تفصيلاً على اللجان النيابية في جلسات عدة. وكان «ائتلاف دعم مصر» الموالي للسيسي، والذي يضم نحو 350 نائباً، استبق جلسة البرلمان بإعلانه المنافسة على كل المناصب القيادية، ما جدد الاتهامات له بالسعي إلى الهيمنة وتكرار تجارب أحزاب السلطة. وأجرى التحالف أول من أمس انتخابات داخلية فاز فيها بالتزكية أستاذ القانون الدستوري علي عبدالعال بالترشح لرئاسة البرلمان بعد تنازل منافسه رئيس جامعة الأزهر السابق النائب أسامة العبد، فيما حسم النائبان السيد الشريف وعلاء عبدالمنعم المنافسة على الترشح لمقعدي الوكيلين (نائبي الرئيس). وتقدم أمس 7 نواب للمنافسة على رئاسة المجلس، وهم عبدالعال ووزير التموين السابق علي مصيلحي والإعلامي المثير للجدل توفيق عكاشة والنائب «الناصري» كمال أحمد والنائب عن حزب «الوفد» عيد هيكل والنائبان المستقلان محمد محمود وخالد أبو طالب العتماني. وعرض كل مرشح على زملائه خلال الجلسة مقتطفات من سيرته الذاتية والخطط التي ينوي تنفيذها في المجلس. وانقسم المرشحون بين مؤيد للثورة ومعارض لها. وأجريت عملية تصويت النواب بالاسم قبل أن تجري عملية الفرز، ليُعلن فوز عبدالعال بالمقعد ب401 صوت من أصل 580 صوتاً صحيحاً، فيما حصل أقرب منافسيه مصيلحي على 110 أصوات، تلاه كمال أحمد ب36 صوتاً، ثم عكاشة ب25 صوتاً، وهيكل بأربعة أصوات، والعتماني بثلاثة أصوات، وحل محمود أخيراً بصوت واحد فقط. وعبدالعال أستاذ في القانون الدستوري والإداري في جامعة عين شمس، ومحامٍ بارز، وهو نال درجة الدكتوراة في القانون من فرنسا، وعمل وكيلاً للنائب العام، قبل أن يلتحق بالتدريس في الجامعة. وكان النواب توافدوا على مقر المجلس قبل بدء الجلسة، وشهدت عمليات جلوسهم انتظاماً منذ اللحظة الأولى، إذ جلس معظم المنخرطين في «ائتلاف دعم مصر» في مقاعد الغالبية التي كان يحتلها نواب الحزب «الوطني» المنحل، وعلى مقربة منهم كان نواب حزب «المصريين الأحرار» الذي نال الأكثرية الحزبية، بينما جلس نواب حزب «النور» السلفي (11 نائباً) في المكان نفسه الذي احتلته كتلتهم في البرلمان المنحل. وترأس الجلسة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «الوفد» النائب المُعيّن بهاء أبو شقة، باعتباره أكبر الأعضاء سناً، وساعده في إدارة الجلسة أصغر نائبين في البرلمان، وهما نهي خالد الحميلي وحسن عمر حسانين. وبدأت الجلسة بتلاوة قرار الرئيس بدعوة المجلس إلى الانعقاد، ثم قرارات اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات المتعلقة بالاقتراع، قبل أن يبدأ النواب أداء اليمين الدستورية، ونصها: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه». وغيّر المحامي المثير للجدل النائب مرتضى منصور في نص القسم، فأقسم على احترام «مواد الدستور»، بدل الدستور، عازياً قراره إلى «احترامي لكل مواد الدستور، وعدم اعترافي بثورة 25 يناير» التي نصت عليها ديباجة الدستور، ما أثار جدلاً واسعاً بين النواب واعتراضات من بعضهم دفعت رئيس الجلسة إلى الإصرار على إعادة القسم. واستجاب منصور، لكنه أصر على «عدم اعترافي بثورة يناير». وكان أبو شقة حظي بتصفيق حاد من قبل النواب لدى أدائه اليمين، حيث كان أول من أدى القسم، قبل أن يقرر حظر التصفيق للنواب في مسعى منه إلى ضبط سير الجلسة. كما حظر على النواب الحديث عن اللائحة الداخلية للمجلس، وطالبهم بغلق هواتفهم. وكان لافتاً انهماك عضو المجلس عن حزب «النور» النائب أحمد الشريف، في قراءة المصحف أثناء أداء نواب اليمين، فيما أدى نواب اليمين رافعين علم مصر في أيديهم. وأعلن أبو شقة أن النواب أحمد علي وجواهر سيد ومحمد فرج عامر ومحمود عطية اعتذروا عن عدم حضور أولى الجلسات، وأوضح أن هؤلاء «لن يستطيعوا ممارسة مهماتهم النيابية إلا بعد حلف اليمين». وتوقفت أعمال الجلسة بعد إغماء النائب سلوى أبو الوفا، ثم استؤنفت بعد إفاقتها. وأعلن النائب سمير غطاس التنازل عن الحصانة البرلمانية، وأنه سيتقدم بنص التنازل إلى رئيس البرلمان الجديد فور انتخابه. وعُقدت الجلسة الأولى وسط إجراءات أمنية مشددة، إذ انتشر آلاف من الشرطة في محيط البرلمان، وأُغلقت الشوارع المؤدية إليه بدءاً من ميدان التحرير، مروراً بشوارع محمد محمود ومجلس الشعب ومجلس الوزراء والقصر العيني. ونصبت قوات الأمن حواجز واستخدمت كلاباً بوليسية في عمليات تفتيش السيارات، خشية تهريب مواد متفجرة إلى محيط البرلمان. وأصدر السيسي بياناً هنأ فيه المصريين والنواب «لمناسبة انعقاد الجلسة الأولى، ليكتمل بذلك البناء المؤسسي والتشريعي للدولة المصرية، تحقيقاً لآمال وطموحات الشعب المصري في تأسيس دولته الحديثة التي تُعلي قيم الديموقراطية والعدالة من أجل استكمال مسيرة التنمية التي بدأت بعقول وسواعد أبناء الشعب المصري». وأعرب عن تمنياته ب «النجاح والتوفيق للمجلس في اضطلاعه بأعماله الرقابية والتشريعية واستئنافه لدوره الفاعل في المجتمع المصري»، مؤكداً أن «البرلمان سيجد كل الدعم والمساندة من السلطة التنفيذية في ما هو منوط بها من مهمات وواجبات، وفي إطار تام من الاحترام الكامل لمبدأ الفصل بين السلطات الذي نص عليه الدستور، بما يكفل لنواب البرلمان ممارسة مهماتهم في حرية تامة تمكنهم من أداء واجباتهم إزاء الوطن والمواطنين على الوجه الأكمل». ولفت إلى «أهمية استئناف مصر نشاطها البرلماني على الأصعدة الإقليمية والدولية كافة، بما يثري البُعد الشعبي في العلاقات الخارجية المصرية، وهو الأمر الذي تحرص مصر الجديدة على تعزيزه وتفعيله إيماناً بدور الشعب في عملية صنع القرار واتخاذه وصوغ مستقبل الوطن». واعتبر أن مشهد التئام البرلمان «يعكس حجم الإنجاز الذي حققته مصر بإرادة شعبها الذي تكاتف صفاً واحداً من أجل مصلحة الوطن». وأكد «أهمية استمرار وتعزيز التلاحم الوطني حفاظاً على كيان ومؤسسات الدولة المصرية، وصوناً لمقدرات شعبها، ودعماً لجهود التنمية الشاملة».