تلقت جمعيات لحقوق الانسان شكاوى عن معاناة لاجئين فلسطينيين في استخراج وثائق شخصية من دائرة الشؤون السياسية واللاجئين، في الانتظار والطوابير التي تصل احياناً الى الطريق العام، والمعاملة غير اللائقة احياناً من رجال الأمن المولجين حراسة المكان، وسوء تنظيم العمل، وغير ذلك. ولدى زيارة الدائرة، رفعت الجمعيات مذكرة الى وزارة الداخلية اللبنانية ضمنتها الأسباب والوقائع وتوصيات، منها: تنظيم وشرعنة عمل المعقبين (السماسرة) عبر تحديد عددهم وتحديد المبلغ المطلوب، لامركزية عمل إدارة الشؤون، بحيث يقدم كل لاجئ معاملته في مكان اقامته، زيادة عدد الموظفين، إيجاد مبنى خاص ومناسب، تدريب العاملين والموظفين أمنيين أو مدنيين على كيفية التعامل مع الناس انطلاقاً من حقوق الانسان وحفظ كرامته. تتأبط الحجّة أم توفيق، وهي زوجة شهيد وأخت شهيد، جزدانها، وتقفل باب منزلها في مخيم الجليل (بعلبك)، وتستقل حافلة الركاب قبيل شروق الشمس بإتجاه العاصمة بيروت لمسافة 60 كلم، يوم قررت تجديد بطاقة هويتها البالية في مديرية شؤون اللاجئين. وكان يوم شتوي بارد. مضى أكثر من ثلاثين عاماً على تجديد بطاقتها الحالية. في المقعد الخلفي تجلس أم توفيق وتتأمل البطاقة الزرقاء التي تفترش كفيها. الجمهورية اللبنانية / وزارة الداخلية والبلديات في الأعلى الى اقصى اليمين. ثم رقم الملف والبيان الاحصائي. الى اليسار، صورة غير ملونة تظهر الحجّة في صِباها. في الوسط، جملة تبدأ ب«ان المدير العام لشؤون اللاجئين يثبت ان صبحية (أم توفيق) هي فلسطينية مقيمة في لبنان». وفي الأسفل الى اقصى اليسار توقيع المدير العام. أما في الخلف، فقائمة من المعلومات المكررة والاضافية: «جرى الاحصاء مع والدها. الاسم والشهرة. اسم الأم والشهرة. تاريخ ومحل الولادة. المذهب. المهنة (!) محل الاقامة. الوضع العائلي. وفي الأسفل، معلومات عن الزوج «الشهيد»، تاريخ ومحل ولادته وجنسيته». تعتبر مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التابعة لوزارة الداخلية، المرجعية الرسمية للاجئين الفلسطينيين في لبنان بكل ما يتعلق بأمور التسجيل، إصدار بطاقات الهوية وتجديدها، إصدار وثائق الولادة والوفاة... وغيرها. وقد انشئت بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 42 الصادر بتاريخ 31 آذار(مارس) 1959. وتتميز المديرية بأنها تابعة لوزارة الداخلية اي انها ذات طابع أمني مع العلم ان مثيلتها في سورية تتبع لوزراة الشؤون الاجتماعية وفي الأردن تتبع لوزارة الخارجية. عند ضهر البيدر (جبل لبنان)، تتوقف الحافلة، ويستعد السائق لوضع السلاسل المعدنية حول العجلات، إذ تراكمت الثلوج على طول الطريق الجبلي. وفي الاثناء تستعيد الحجّة ذكرياتها بعد أن قرأت المعلومات الخاصة بالزوج «أبو توفيق»، رفيق العمر، والرجل الأول والأخير في حياتها، اللقاء الأول عند الخالة سلمى في مخيم جسر الباشا (النبعة – شرق بيروت)، الخطوبة، الزواج، ولادة توفيق وطفولته، استشهاد أبو توفيق واخيها معاً، خلال الاجتياح الاسرائيلي في 1982، وصولاً إلى وحدتها الموحشة بعد هجرة ولدها الى أوروبا. في 25 كانون الأول (ديسمبر) 2009، أقرت وزارة الداخلية اللبنانية اجراءات بشأن آلية تقديم طلبات الحصول على اخراجات قيد وبطاقات هوية ومعاملات أخرى خاصة بالأحوال الشخصية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأوقف عمل السماسرة والموظفين المدنيين لتتسلمها قوى الأمن الداخلي. ونصت الاجراءات على ان يقدم صاحب المعاملة طلبه بنفسه وليس عبر سمسار (وسيط)، وحصر تقديم الطلبات ب4 ساعات، بين 8.30 قبل الظهر و12.30 بعد الظهر، وتسليم المعاملة بعد اسبوع، كحد أدنى. هذا مع العلم ان اللاجئين الفلسطينيين منتشرون في مختلف الاراضي اللبنانية. وان المديرية تتبع نظام المركزية في المعاملات، اي ان على اللاجئين المقدّر عددهم ب420 الفاً (الاونروا 2010) القدوم من مختلف المناطق الى بيروت لتسوية معاملاتهم في مقر المديرية الذي يضم عدداً قليلاً من الموظفين والعسكريين. تتجاوز الساعة العاشرة حين تنطلق الحافلة من جديد مخترقة تلال الثلج المتراكم على الطريق، تنظر الحجّة إلى ساعتها، وتبدأ علامات القلق خوفاً من أن تتأخر قبل انتهاء الدوام الرسمي في المديرية، فيذهب مشوارها سدىً. تصل الى بيروت، تخرج من جزدانها ورقة مكتوباً عليها عنوان المديرية وتمررها الى أحد السائقين الذي يشترط مبلغاً معيناً يفوق موازنة الرحلة التي احتُسبت نفقاتها بدقة. وفي تمام الحادية عشرة والنصف، اتفقت مع احد السائقين على مبلغ معين واستقلت سيارته الى منطقة بشارة الخوري. وصلت أم توفيق الى المديرية لتجد طابوراًُ طويلاً من أقرانها اللاجئين ينتظرون. تبتسم الحجّة وتعود ادراجها الى مخيم الجليل (او «ويفل») في بعلبك، بعد ان قررت الاحتفاظ ببطاقتها القديمة مع ما تحمله من ذكريات!