أوضح الدكتور معجب العدواني أن المواقع الإلكترونية تعد «وسيلة مميزة لتقديم النصوص الإبداعية والمقالات النقدية، إذ أسهم في تقديم قناة جديدة وإطلالة لها حضورها المؤثر في المشهد الأدبي»، وتتميز هذه النافذة بوصولها إلى شريحة أكبر وبكونها ميسرة للجميع، إلى جانب كونها أقل رقابة ووصاية»، مضيفاً: « قدمت الشبكة للأدب السعودي شعراء وشاعرات وروائيين وروائيات، إلى جانب النقاد الذين عايشوا هذه الظاهرة الإبداعية في الفضاء نفسه، ومن ثم فقد قرر بعض أفراد الجيل الإنترنيتي الدخول إلى تجربة النشر الورقي واختبار إنتاجهم». من جهة، إن المتجول بين منتديات الإنترنت والمدونات والصفحات الشخصية في «فيس بوك» يلاحظ توجه عدد كبير من المؤلفين الشباب، الذين أصدروا أعمالهم للتو إلى تقديم قراءة نقدية لأعمال بعضهم البعض. وأصبح من المتعارف بينهم أن من يقدم قراءة لزميله فعليه أن يردها له، وأن يراعي فيها حساسيته كصديق قبل أن يكون مؤلفاً، فيثني عليه ويذكر له العديد من الجوانب الإيجابية في عمله، ثم يذكر له النقاط السلبية مع الأخذ بالاعتبار انتقاء الجمل التي لا تجرح المشاعر. وحول جودة هذه القراءات المقدمة من هؤلاء الشباب في عالم الإنترنت، قال العدواني: «نفياً للتشاؤم المفرط فإن ما يقدم من قراءات ومراجعات، على صفحات الإنترنت لا يندرج في عمومه في دائرة السيئ، ونفياً للمغالاة في التفاؤل أيضاً فلا يمكن أن نقول بجودته، فالأمر هنا نسبي، ومن الإنصاف أن نشيد ببعض ما يُكتب فيها، فالكتابة الجيدة تبقى جيدة ولو كتبت على الرمال، لكني أرجو أن يكون منطلق هؤلاء المبدعين متمثلاً في النظر إلى شبكة الإنترنت بوصفها نافذة تجريبية تتحقق من خلالها صورة المبدع، ويتأكد حضوره فيها لينطلق إلى فضاءات أوسع وأشمل». وتلقى هذه التجربة القبول والتأييد من مؤلفين شباب، فالروائي ماجد الجارد يقول: «هذه الخاصية التفاعلية الإنترنتية تستطيع تحقيق سرعة في الانتشار وتوسع الرقعة الجغرافية للعمل. فبإمكان القراء متابعة كل جديد الساحة الثقافية بمختلف ألوان طيفها وأقطارها، أيضاً هذه القراءات تسهم في اتخاذ قرار الشراء، فما أن يدخل القارئ أي محرك بحث سيظهر له كل شاردة وواردة كتبت حول الكتاب الذي سيقتنيه». وعلى رغم اعتراف صاحب رواية «نزل الظلام» أنه «لا يمكن القول بجودة مضمون القراءات، أوأنها تعتمد على رؤى نقدية عميقة، فندعي أن كلها رديئة سيئة، كذلك لا يمكننا التحمس لها كثيراً فنزعم بأنها تتسم برؤى نقدية معمقة. ولكن الذي نستطيع الاتكاء عليه حول مضمون تلك القراءات، مدى ما يمتلكه الكاتب من مهارات كتابية وعمق النظرة ودربته في دهاليز النقد، وهذا جانب مشترك بين الصحف الإنترنتية والورقية، إلا أن الصحف الورقية تتسم بالمسؤولية فنحن نعرف الشخصية الحقيقية للكاتب، بخلاف التخفي النتي خلف أقنعة الأسماء المستعارة في بعض الأحيان». أما الكاتب والروائي سعيد الوهابي فيرى في الأمر حيلة متاحة الآن للمؤلفين الشباب ليجدون كتبهم تنتقد، وقال: «صحيح أننا ننتقد أنفسنا ولو بشكل أقل عمقاً ولكنه أكثر عملية، لأنني لا أحتاج أن أذيع سر حاجة أي مؤلف لناقد يمتلك أدواته الجادة لنقد كتابه، لكن في ظل الهروب الجماعي للنقاد نحو أصحاب الأعمال ذات الأسماء الكبيرة، أو حتى هروبهم نحو كتابة الرواية أو تفرغهم التام لإصدار الكتب النقدية أو ملاحقة المؤتمرات الثقافية، لن تجد سوى القليل من حراك النقد الأدبي للأعمال الأدبية طوال الأعوام الماضية». ويتفق معه الروائي ميقات الراجحي الذي يؤكد أهمية هذه القراءات الشبابية، ويعلل ذلك بقوله: «في ظل افتقار الصوت الجديد إلى حضور دور الناقد، فهذا يحتم علينا - نحن الشباب - أن ننتقد بعضنا بعضاً أول الأمر، فهذا أفضل لنا كثيراً فنحن مع بعضنا بعضاً. لدينا من الشفافية ما يغنينا عن تسلط بعض النقاد من دون إنارة الدرب، وهذا يخدمنا ونحن في بداية الطريق لمعرفة مكامن الخلل لنتجاوزها ونقاط القوة لتحسين استهلاكها». ويعتقد صاحب رواية «لا أحد يهزم الله» الصادرة عن دار طوى للإعلام والنشر، أنه «ليس النقاد وحدهم من يتحملون سلوك الشباب لهذا الطريق، فربما بعض النقاد اعتبر هذه إيجابية من دون قصد تفضلوا بها علينا، وإن كنت أجدها تحسب عليهم وليس لهم». وتساءل: «هل لا بد أن أكون قد تجاوزت الأربعين أو صدر لي ما لا يقل عن ثلاثة إصدارات لينتقد عملي؟ وإني أتمنى ألا يأتي ناقد ويقول إن العمل هو من يفرض نفسه، فهنالك كثير من الأعمال التي تستحق أن يشاد بها ولم تنل بركة بعض النقاد». واتهم سعيد الوهابي النقاد بالكسل والبحث عن ما اعتبره حججاً واهية، «فسيخبروننا عن أسطورة الطفرة الروائية العظيمة وعن استشراف زوال الروايات الهابطة وبقاء الجيد منها، ثم ينتهي بمزيد من الكلام العمومي الممل». ويضيف صاحب الكتاب الساخر كنت مثقفاً: «وريثما تنفك عقدة الغرور لدى النقاد سيصبح لدينا تاريخ من الأدب السيئ والهابط، ما لم تتوازَ حركة الكتابة مع حراك نقدي، فبلا نقد أدبي جاد سيستمر المؤلف بإصدار مزيد من الكتب بالطريقة ذاتها تقريباً». أما في جانب العنصر النسائي، فهناك استياء من إهمال النقاد وكذلك إهمال النساء لبعضهن بعضاً، فيندر أن تجد امرأة تكتب عن زميلتها. وعن هذا الأمر تعلق الروائية أثير عبدالله: «إن الكاتبات الشابات لا يقدمن قراءات لأعمال كاتبات أُخريات لأسباب عدة، أهمها أن المرأة غيورة بطبعها، لذا فإنها لا تسعى لأن تلفت النظر لعملٍ أدبيٍ يخص كاتبة أُخرى، فالرجل بطبعه لا يكترث لنجاحِ الآخرين بقدر ما يكترث لنجاحه الشخصي، لكن المرأة غالباً تسعى لئلا تنجح امرأة سواها، وأعتقد أن هذا هو ديدن النساء، كما أن هناك شريحة أخرى من الكاتبات لا يثقن بأعمال الأسماء الأنثوية، لذا لا يقرأن إلا لأعمالِ الرجال، على رغم أنهن يمارسن الكتابة ويؤمن بمواهبهن الخاصة». ودافع الدكتور معجب العدواني عن اتهام المؤلفين الشباب للنقاد بالإهمال، وقال: «هذا أمر لا أوافقهم عليه، ويشاركهم في هذا الاتهام للنقاد مبدعون لهم إنتاجهم الورقي المميز، وأرى أن لكل ناقد مشروعه الشخصي، الذي ينبغي أن يمنح الحرية في تناوله، فلماذا إذاً نسمح لأنفسنا أن نطلب من الناقد ممارسة النقد ولا نطلبها من الشاعر أو القاص؟»، مضيفاً: «إلى جانب ذلك أرى أن الفرق كبير بين كتابة المراجعات النقدية والدراسات العلمية، فالمراجعة تعتمد على الآنية والترويج والجزئية.