حضور اعضاء «القاعدة» ضعيف خارج عالم الشبكة الإلكترونية. فالمنظمة تحتضر وتحارب من أجل بقائها. فهي فقدت قواعدها في العراق، وفشلت في تخريب الانتخابات الأخيرة التي اقبل عليها السنّة إقبالاً كبيراً. وبحسب الأميركيين، يقل عدد اعضاء «القاعدة» في أفغانستان عن المئة. ولكن انتشار «القاعدة» في المناطق القبلية الباكستانية لا يستهان به، وهو يبعث على القلق. فيوم كانت طالبان الأفغانية تمسك بمقاليد الحكم بكابول، أعلن أحمد شاه مسعود، عدو طالبان اللدود، أن «القاعدة» هي عروة لُحمة طالبان وركن تماسكها. و «القاعدة» هي اليوم، على ما كانت في الأمس بأفغانستان، عروة لحمة طالبان الباكستانية. وهي توفر لطالبان باكستان غطاء عقائدياً دينياً جاهزاً ييسر تقربها من بقية المجموعات الجهادية في البنجاب أو كشمير. وتتوسل «القاعدة» باليمن مسرحاً ثانوياً للفت الأضواء الإعلامية، وتشتيت جهود الخصم على أمل بأن ينزلق الأميركيون الى الشرك اليمني، ويرسلوا جنوداً محاربين للقتال هناك. ولكن الأميركيين أدركوا ما تريد «القاعدة» من وراء استدراجهم الى اليمن. ومنذ بلوغ باراك أوباما سدة الحكم، يميل الأميركيون الى التحالف مع بقية القوى، والتعاون مع الجيوش المحلية الباكستانية أو اليمنية، عوض انتهاج سياسات أحادية. ولا شك في أن جورج دبليو بوش خدم، من غير قصد، مصالح «القاعدة». فهو طردها من أفغانستان، في كانون الأول (ديسمبر) 2001. ولجأ مقاتلو «القاعدة» الى جبال تورا بورا. وكان في وسع الأميركيين القبض عليهم لو أرسلوا مزيداً من القوات. ولكن وزير الدفاع الأميركي يومها، دونالد رامسفيلد، لم يشأ ذلك. وخطاب بوش عن «الحرب العالمية على الإرهاب» حاكى خطاب بن لادن عن الجهاد العالمي وعضده. ويوم اجتاح الأميركيون العراق، في 2003، كان نفوذ «القاعدة» ضئيلاً. ولكن الاجتياح بعث المنظمة، ونفخ في أذرعتها المقاتلة. فظهر جيل جديد من المقاتلين. ولم تكن «القاعدة في المغرب الإسلامي» لتبصر النور، لو لم تُشن الحرب على العراق. والمنظمة ارتقت بمجموعة محلية ناشطة في منطقة القبائل الى مجموعة عالمية. وبعد التدخل الأميركي في العراق، تغيرت لغة «القاعدة»، وتوسلت خطاب حركات المقاومة وحرفته لخدمة مآربها. ولو لم يفك القوميون العراقيون حلفهم ب «القاعدة»، لظهرت إمارة «جهادستان» في قلب الشرق الأوسط. ولكن «القاعدة في المغرب الإسلامي» لم تفلح في توحيد صفوف المجموعات الإسلامية في المغرب، أو في أوروبا، على خلاف ما اشتهى الظواهري حين وافق على ان تحمل المنظمة اسم «القاعدة». ونأى بأوروبا عن الخطر الإرهابي انهيار نواة «القاعدة» في العراق، وتقهقرها في المغرب. و «القاعدة» قد تبعث من جديد، إذا سيطرت على مناطق القبائل في باكستان. ولن تكتب حياة لها، إذا أُردي بن لادن. فنظام البيعة يحصر زعامة «القاعدة» ببن لادن. ولذا، لن تؤول خلافة بن لادن الى الظواهري. ويبلغ عدد اعضاء «القاعدة» بين الف وألفي شخص. فهي منظمة تزعم انتخاب اعضائها، وضمهم الى صفوة قليلة العدد تدرك وحدها، على زعمها، أن المجتمع الإسلامي غارق في ظلمات الجهل والكفر. وهي فرقة على رأسها اسامة بن لادن. ورأسها المدبر ومنظرها هو أيمن الظواهري. والإنترنت هو ناقل فكرها وواسطتها الى استمالة المناصرين، وقاعدة بياناتها، وواسطة دعايتها السياسية. ولا تعقد «القاعدة» اجتماعات او لقاءات حاشدة. وهي تحاكي شبكة الإنترنت، وتنسج علاقاتها بأفراد منعزلين. وتدعوهم الى الانقطاع من مجتمعهم والمقربين منهم، وتحملهم على التطرف. وخطاب المنظمة هذه سياسي، ويدور على الحملات الصليبية، وسجناء غوانتانامو وسجن أبو غريب العراقي. ويرد في الخطاب هذا عدد قليل من السور القرآنية، ويكررها الخطاب في البيانات كلها. فهي تقترح على مريديها ديناً بديلاً ركنه الأوحد، وغايته، «الجهاد». ولكن الجهاد في الإسلام هو سعي في غاية سامية، وليس غاية في نفسه. وفي القرن السابع، نصب الخوارج الجهاد وحده ديناً. ويبدو أن «القاعدة» تحتذي على هؤلاء. فهي تحسب أن المجاهد تربطه علاقة مباشرة بالخالق. وهذا نوع من البدعة. فهم كمن يقول: «أنا أقتل إذن أنا مؤمن». وتقديس الجهاد ينصب «القاعدة» نحلة. وتشبه «القاعدة» في بعض أوجه عملها المنظمات اليسارية المتطرفة التي انتشرت في السبعينات، على غرار «الجيش الأحمر الياباني». ويدعو الظواهري في خطابه الى انقاذ المسلمين الضالين. والخطاب هذا وثيق الصلة بعقيدة سيد قطب والد الإسلام السياسي، فهو يكفر المسلمين جميعاً، ويهدر دماءهم. * صاحب « حيوات القاعدة التسع» (2009)، عن «لكسبريس» الفرنسية، 18/3/2010، إعداد م. ن.