أدت النزاعات الحالية في مناطق الشرق الأوسط إلى انتشار عدد من الأمراض الفتاكة التي أصبحت سبباً آخر للموت بعد القصف والقنص والاعدامات. وكان تقرير نشرته صحيفة «اندبندنت» البريطانية في نيسان (أبريل) الماضي، حذر من وقوع كارثة صحية في سورية، مشيراً إلى انتشار أمراض وبائية عدة فيها، بينها التيفوئيد والتهاب الكبد الوبائي والليشمانيا. ووثق «المكتب الطبي الموحد في دمشق والقلمون» إصابة 3350 شخصاً بالتيفوئيد المعدي منذ بداية الحرب وحتى آب (أغسطس) الماضي، فيما شهدت العاصمة دمشق ارتفاعاً كبيراً في أعداد المصابين بالتهاب الكبد الوبائي، ووصل عدد الإصابات إلى 2500 شخص، توفي منهم أربعة. وفي حلب، أدى انتشار مرض «الليشمانيا» (حبة حلب) إلى إثارة القلق بين السكان، وقال الباحث السابق في «مركز الدراسات الصحية» في المحافظة، الدكتور فؤاد محمد فؤاد، إن «المرض الذي ينتقل إلى الإنسان عبر لسعة بعوضة، أصبح مستوطناً في المنطقة، ويعود ظهوره إلى انتشار القمامة، ووجود مجار مكشوفة للصرف الصحي، وأبنية مهدمة». بالإضافة إلى ذلك، ذكرت صحيفة «دايلي ميل» البريطانية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي أن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) نشر حشرة آكلة للحوم البشر في سورية بهدف أكل الجثث الملقاة في الشوارع، ما أدى إلى انتشار «الليشمانيا» أكثر بين المواطنين. ولمرض الليشمانيا ثلاثة أنواع رئيسة، الأول هو الليشمانيا الجلدية، ويُعد النوع الأكثر شيوعاً، ويسبب تقرحات في الأجزاء المكشوفة من الجسم، ما يؤدي إلى تشوهات دائمة، أما النوع الثاني فهو الليشمانيا الجلدية المخاطية الذي يتسبب في تدمير الأغشية المخاطية للأنف والفم والحلق، والنوع الثالث، وهو الأكثر خطورة، فيُعرف بالليشمانيا الحشوية، ويتسبب في فقدان الوزن وتضخم الكبد ونوبات الحمى، وقد يؤدي إلى الموت في حال إهمال علاجه. إلى ذلك، شهدت حلب أوائل العام 2015 حملات عدة لقتل الكلاب المسعورة، بعد وفاة أشخاص تعرضوا للعض أو الخدش من كلاب مصابة، وتعذر علاجهم بسبب عدم توافر الامصال اللازمة. وتقول «منظمة الصحة العالمية» ان الخدمات الصحية في سورية تراجعت كثيراً، خصوصاً بعد تعرض 58 في المئة من مستشفياتها إلى التدمير الجزئي أو الكلي، بالإضافة إلى هجرة الأطباء. وأوضحت دراسة صدرت عن «المركز السوري لبحوث السياسات» في نيسان (أبريل) الماضي بعنوان «حرب على التنمية» أن «نسبة الأطباء إلى السكان في سورية، تراجعت من طبيب واحد لكل 661 مواطناً في 2010، إلى طبيب واحد لكل 4041 مواطناً بحلول حزيران (يونيو) 2015، وتوقف حوالى 90 في المئة من الصناعات الدوائية المحلية عن الإنتاج». وفي العراق، انتشرت أمراض معدية بين السكان مع نزوح المواطنين من مناطق المعارك، واضطرارهم إلى الإقامة في مخيمات تفتقر إلى الغذاء والدواء والتدفئة. وفي الفترة الأخيرة، انتشر مرض النكاف بين طلاب المدراس في العراق الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية و13 عاماً، بسبب عدم تقديم اللقاح اللازم لهذه الفئة العمرية في الفترة بين العامين 2003 و2008. ومن المعروف ان «اللقاح الثلاثي» الذي يشمل النكاف والحصبة والحصبة الألمانية، يُعطى للأطفال على جرعتين، الأولى عند بلوغ الطفل عامه الأول، والثانية عند بلوغه عامه الخامس. والنكاف مرض فيروسي معد، قد يسبب انتفاخاً وأوجاعاً في الغدد اللعابية، خصوصاً الغدد النكفية بين الأذن والفك، وقد يؤدي في حال عدم علاجه إلى التهاب السحايا أو الصمم. إلى ذلك، كشف تقرير أصدرته وزارة الصحة العراقية في 20 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عن ارتفاع حالات الإصابة بمرض الكوليرا في البلاد إلى 1809 حالات، اسفرت عن وفاة شخصين. وبيّن التقرير ان المرض وصل إلى إقليم كردستان الذي سجل أربع إصابات، مشيراً إلى أن «أعلى معدلات الإصابة بالمرض جاءت في بغداد التي سجلت 559 إصابة، ثم محافظة بابل (جنوب) التي سجلت 531 إصابة». وتشير بيانات وزارة الصحة إلى أن العوامل الرئيسة لانتشار المرض انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات الذي يوفر مياه الشرب بلسكان المحليين. وفي اليمن، تفاقمت المشكلات الصحية بسبب النزاع الدائر في البلاد، حتى أصبح البلد على حافة كارثة إنسانية. وأكد نائب وزير الصحة اليمني ناصر باعوم، أن الأزمة التي تشهدها بلاده تسببت في ظهور أمراض لم تكن موجودة من قبل، مثل حمى الضنك والملاريا، وحذر من إمكان عودة بعض الأمراض التي تم القضاء عليها في وقت سابق، مثل شلل الأطفال. وحذر مدير «منظمة الأممالمتحدة للطفولة» (يونيسيف) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بيتر سلامة، من أن الأطفال في اليمن لا يتم تطعيمهم، إما لأن المراكز الصحية لا يصلها التيار الكهربائي، أو لعدم توافر الأجهزة اللازمة لتبريد اللقاحات وتوزيعها، أو لأن الأهالي يرتعبون من القتال لدرجة أنهم يحجمون عن أخذ أطفالهم إلى مراكز التطعيم. وأضاف أن «النتيجة المأسوية هي أن الأطفال سيلقون حتفهم جراء أمراض يمكن عادة الوقاية منها، مثل الحصبة والالتهاب الرئوي».