يراودني شك كبير وأيضاً اعتقاد أكيد بأن المناقصات التي تطرحها بعض الجهات الحكومية لتنفيذ مشاريع محلية، هي الواقع عالية ومبالغة جداً وفي كثير من الأحيان لا يمكن أن نصدقها، ومع ذلك «نبلعها» على أنها مشاريع حكومية وما يشجع على استمرار مثل هذه العقود المبالغة للمشاريع، أنه لا توجد جهات تستطيع أن تسأل أو تحاسب الجهاز الحكومي وتستفسر منه تفاصيل قيمة المشاريع، فديوان المراقبة العامة إمكاناته بسيطة ويريد أن يقدم لنا تقريراً سنوياً قوياً فقط يستطيع أن يخبرنا عن المبالغ المهدرة أو ضياع أموال، بينما مجلس الشورى وأعضاؤه الموقرون، ليست لديهم صلاحيات سؤال الوزراء والمسؤولين عن قيمة المشاريع وكيفية تنفيذها. أورد لكم قصة حدثت قبل عام، نشرت جامعة الإمام محمد بن سعود خبراً يفيد أنها رصدت مبلغ 200 مليون ريال لتطوير بوابتها الإلكترونية، وبعد نشر هذا الخبر تناقل الكتاب والصحافيون هذا الرقم على أنه مشروع لصناعة مركبة فضائية وليس موقع إلكتروني، وبعد فترة أعادت الجامعة وصححت الخبر، وقالت إن المبلغ المرصود بقيمة 200 مليون ريال يتضمن أيضاً التعليم الإلكتروني، والتعليم عن بعد، ولم يوضح المسؤول، ماذا تم بخصوص التعليم عن بعد وكم عدد الطلاب والطالبات المستفيدين من هذا المشروع الجبار، ولا حتى ما هي خصائص التعليم الإلكتروني، وماذا تم بشأن البوابة الإلكترونية، المهم رصدت 200 مليون «كان بالإمكان فتح 400 فصل جديد ليستوعب طلاباً جدداً، لو تم استثمار المبلغ بشكل صحيح». وحينما أقول إن هناك مبالغة وأسعاراً خيالية لقيمة المشاريع المحلية فهو في الواقع صحيح والكل يشعر به ولكن لا احد يتكلم خوفا من ان يقال له «ايش عرفك بالمناقصات الحكومية». مشكلة المناقصات الحكومية أن تفاصيل العقد لا تنشر ولا يمكن أن تطلع على مواصفات المشروع، بينما لو أن هذا المشروع يخص القطاع الخاص وأقصد هنا مشروعاً ليس حكومياً، لوجدنا كيف أن كلفته اقل وجودته أعلى، خذوا على سبيل المثال مشروع جبل عمر الذي ينفذ في مكةالمكرمة كلفة العقارات التي أزيلت بلغت بليوناً و400 مليون ريال، أما البنية الأساسية للمشروع تزيد على بليون و300 مليون ريال، ولا يزيد إجمالي كلفة المشروع عن 10 بلايين ريال وهو مشروع لو نفذته جهة حكومية لتجاوزت القيمة أضعاف الرقم المعلن، والسبب هو أن المشاريع الحكومية يكون المحاسب ومقدر الموازنة «يده مرتاحة» في كتابة الأرقام والتفاصيل بما يتماشى مع موازنة البلد واقتصادها، فمثلاً يمكن كتابة قيمة عمود الكهرباء بسعر 1500 ريال، فيما ان قيمتها في السوق 620 ريالاً، وفيما كانت الكمية كبيرة اعتقد وقتها يتم التعامل بسعر الجملة، والحال كذلك لأسعار الحديد والاسمنت وكلفة النقل، والحال كذلك في قيمة تأثيث الإدارات الحكومية من مكاتب وأدوات وكراسي، إذا رأيتها تكتشف أنها من النوع الرديء ولكن قيمتها في الفواتير الحكومية تصل إلى سعر غير حقيقي. وربما تتذكرون الإعلان الشهير للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض والذي نفت فيه المعلومات التي نشرت أن مشروع تطوير طريق الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض والتي تقول إن المقاول الرئيسي لمشروع تطوير طريق الملك عبدالله أوكل مقاولات الحفر والترحيل إلى أحد المقاولين بمبلغ 400 مليون ريال، وبدوره قام بالتعاقد مع مقاول من الباطن لتنفيذ المشروع بأكثر من 75 مليون ريال، ليسند هو الآخر المشروع إلى مقاول ثالث من الباطن بمبلغ 18 مليوناً ومئتي ألف ريال كما ذكرت بأن «سعر الحفر كان في الأصل 268 ريالاً وتدرج مع مقاولي الباطن ليصل إلى 54 ريالاً ثم 13 ريالاً». وذكرت كذلك بأن «المشروع توقف بشكل موقت نتيجة خلاف نشب بين شركتي مقاولة من الباطن. ونفت الهيئة كل تلك المعلومات تصحيحاً للخبر. أود أن أقول شيئاً: ان قطاع المقاولات والمشاريع الحكومية التي ينفذها القطاع الخاص لم تضف شيئاً في اقتصاد البلد سواء من حيث توفير الفرص الوظيفية أو شراء مستلزمات من المصانع والشركات المحلية أو حتى تحريك قطاعات اقتصادية أخرى، فكل العمالة التي تعمل في مجال الحفر والبناء، هم من الشارع الذين يسكنون الأرصفة ويتعاقدون بأسعار خيالية، ويقولون لك لديهم القدرة في جميع المجالات، أما المهندسون والمشرفون على المشروع فجميعهم من الأجانب، وتفرح أنت كمواطن حينما ترى أن الشوارع مغلقة أو لوحة كتب عليها نأسف لإزعاجك نعمل من أجلك، فتفرح أن مشروعاً مهماً جار العمل فيه، ولكن تجد ان الموضوع قد طال، ولم يكتمل وان حدث وقد شاهدت المشروع قائماً أمام عينيك فلا تفرح فبعد أشهر قليلة ستكتشف أن المشروع الذي انفق عليه الملايين يسوى الآن الملاليم. إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]