استمراراً لأزمة الحديد التي تجتاح السعودية هذه الأيام وارتفاع اسعار الطن الى ارقام كبيرة، أغلق يوم أمس موزعو الحديد أبوابهم امام العدد القليل من المواطنين الراغبين في شراء الحديد لاستكمال مشاريعهم، متحججين بعدم وجود مخزون لديهم، مرجعين السبب الى شركة «سابك» التي لم تعد تمولهم كما ك ان في السابق، موضحين انه لا تصلهم سوى شاحنة واحدة يومياً وتحمل 20 طناً فقط من الحديد. من جهة اخرى، رفض المواطنون هذه الحجج من الموزعين زاعمين ان الحديد موجود وبكميات كبيرة لديهم داخل مستودعاتهم، ولكنهم يلجأون الى تجفيف السوق من الحديد حتى ترتفع اسعاره الى ما كانت عليه قبل اعوام مضت عندما ارتفع سعر الطن الى اكثر من سته آلاف ريال. كما اطلق العديد من المواطنين خلال المواقع الالكترونية حملة جديدة تستهدف حديد «سابك» تحت شعار «خلوه يصدي»، مطالبين بعدم شراء الحديد منها حتى يتم خفض اسعاره، والاعتماد على الحديد المستورد او المصانع الاخرى السعودية ومنعها من التصدير. وحذر عدد من المقاولين والمستشارين الاقتصاديين من ان الارتفاع الحالي لاسعار الحديد وتجفيفه من السوق يضر كثيراً بالمشاريع وبالمستثمرين والمواطنين في وقت واحد، مطالبين في الوقت نفسه بتدخل حكومي لحل الموضوع وتطبيق إلغاء الرسوم الجمركية على الحديد بشكل سريع. وينتظر العديد من المواطنين اجتماع الأعضاء المعنيين بملف الاتحاد الجمركي في دول مجلس التعاون الخليجي هذا الأسبوع لمناقشة مقترح سعودي بإعفاء حديد التسليح المستورد من الرسوم الجمركية.وأوضح محمد جمال (احد العاملين في مستودعات توزيع الحديد) ان قرار اغلاق مستودعاتهم يعود لعدم وجود حديد لديهم، مشيراً الى ان شركة «سابك» لم تعد تمول الموزعين بنفس الكمية السابقة من الحديد، اذ انه يومياً يصلنا شاحنة واحدة محملة ب 20 طناً من الحديد فقط، نافياً في الوقت ذاته علمه بوجود حديد مخزن داخل المستودعات. وقال: «اذا كان هناك حديد مخزن فنحن لا علم لدينا عنه»، متوقعاً استمرار ارتفاع اسعار الحديد في الايام المقبلة مثل ما حدث خلال العامين الماضيين من ارتفاع الى اكثر من ستة آلاف ريال. واكد ان «الاسعار التي نضعها لا نختلقها وانما تحددها وزارة التجارة من خلال موقعها الالكتروني الذي يحدد اسعار الحديد لجميع المصانع السعودية وكذلك بالنسبة للحديد المستورد»، موضحاً ان اسعار الحديد المستورد حالياً ارتفعت الى فوق ال3 آلاف ريال، بعد ان اتجه اليه بعض المستهلكين لعدم قدرتهم على ايجاد حديد «سابك» صاحب اعلى مستوى مبيعات. من جهته، اعتبر المواطن احمد العمري أن أزمة الحديد «مفتعلة من التجار حتى يرتفع السعر ويتحقق لهم عائد مادي كبير»، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يرتفع سعر طن الحديد خلال وقت قصير جداً إلى أكثر من 700 ريال مهما كانت الأسباب أو الارتفاع في أسعار المواد المستخدمة في التصنيع. وأشار العمري إلى أنه لن يكمل مشروعه السكني حتى يتم خفض الأسعار لأن البناء بالسعر الحالي للحديد لا تناسب مع إمكاناته المادية، مشيراً إلى انه اقترض من أحد البنوك لاستكمال بناء منزله «ولكن بالسعر الحالي لا يمكن أن أكمل البناء بسبب عدم توافق القرض مع الأسعار الحالية». وطالب المواطن علي دغريري وزارة التجارة بتثبيت الأسعار على مستوى معين وأن تمارس حقها في حماية المستهلك، وعليها أن ترخص لمصانع حديد جديدة لخلق التنافس بين المنتجين والسيطرة على السوق. واقترح ياسر الكثيري من صندوق التنمية العقاري أن يتم رفع القرض العقاري من 300 ألف ريال إلى 800 ألف ريال «لأن المبلغ الحالي لا يتوافق مع الارتقاع القائم في أسعار الحديد وجميع مواد البناء». وأوضح المقاول المهندس اسماعيل ابو النجاء أن الطاقة الإنتاجية للمصانع المنتجة للحديد في السعودية أكثر من ثمانية ملايين طن سنوياً. ويقدّر حجم مبيعات تلك المصانع في حدود ستة ملايين طن. وقال إن التحدي الحقيقي لهذا الارتفاع سيكون للمقاولين، الذين يعملون في مشاريع حكومية، بخاصة وأن أنظمة المشتريات الخاصة بالدولة لا تسمح بتعويض المقاولين، جراء ارتفاع أسعار مواد البناء. وأوضح المستشار الاقتصادي الدكتور اسماعيل باداوود إن الارتفاع المفاجئ في أسعار الحديد من جانب «سابك» لن تقتصر أثاره على سوق الحديد فقط، ولكنه سيمتد إلى العديد من القطاعات الاقتصادية والتي ستؤثر بالسلب في الاقتصاد القومي عموماً. وأضاف أن الارتفاعات في أسعار الحديد ليصل سعر الطن 2950 و3500 ريالا للطن في مقابل 2200 إلى 2600 ريال قبل أسبوع واحد. ستمتد إلى سوق الأسمنت أيضاً التي تشهد تقلبات حادة في الفترة الأخيرة ولم تنته أزماتها بعد، كما ستمتد إلى سوق العقارات التي يتوقع أن ترتفع أسعارها أيضاً بنسب تتراوح ما بين 25 إلى 40 في المئة في الأسابيع القليلة المقبلة. ومن جهته، قال أستاذ الاقتصاد والتسويق الدكتور احمد بادوود إن أزمة الحديد تكمن في عدم توافره، نتيجة قيام أصحاب المصانع بتعطيش السوق السعودية، مشيراً إلى أن هناك تلاعباً بالأسواق حتى يكون الطلب على الحديد أكثر من المعروض ليتحكموا في الأسعار ويحققوا أكبر قدر من الربح على حساب المستهلكين. إلى ذلك، قال مصدر مسؤول بوزارة التجارة والصناعة رفض ذكر اسمه إن هناك مراقبة للأسعار، وان الوزارة تعمل حالياً لتنفيذ حملة مفاجئة للنزول إلى بعض المواقع وإغلاق المحال والمتاجر والمستودعات التي يعمل أصحابها على استغلال الأزمات وإحداث مبالغة في الأسعار.