جاءني صوته عبر الهاتف، منزعجاً وغاضباً، قلت له اهدأ، فقال لي كيف تريدني أن اهدأ، اليوم أيضاً لم يحضر القاضي، وكان معي الشهود، قلت له يا أخي ربما يكون للشيخ القاضي عذر او أمر ما منعه من الحضور، انفعل مرة أخرى وقال لي، هذه الجلسة الثالثة التي أحضر فيها الشهود وهو لم يحضر، وأنت تعلم كيف يكون الأمر صعباً من أجل أن تجمع الشهود وتربطهم في المحكمة، قلت له لا داعي لأن تغضب فمحاكمنا، تعاني من نقص شديد في القضاة، اصبر وما صبرك الا بالله. قصة صديقي ذكرتني بخبر نشرته صحيفة «المدينة» الاسبوع الماضي، أشارت فيه الصحيفة إلى أن غياب قاضي محكمة العرضية الجنوبية لأكثر من سبعة أشهر تسبب في تأخر إنهاء العديد من القضايا لأكثر من خمسة آلاف مواطن، ما بين قضايا حقوقية واستحكام وقضايا عامة، وناشد المواطنون مجلس القضاء الأعلى بضرورة إنهاء معاناتهم بتعيين قاضٍ للفصل في قضاياهم، مشيرين إلى أن المحكمة منذ اكثر من 7 أشهر لا يوجد بها قاضٍ وهو الذي كبدهم الكثير من العناء وضياع الوقت. كلنا نعلم، وهذا غير خافٍ على أحد، أننا نعاني من نقص في الكوادر القضائية، والمحاكم والقضاء مثل بقية الادارات الحكومية والقطاعات التي تشتكي من عدم توافر الكوادر الوطنية، لهذا استعانت العديد من الجهات الحكومية والأهلية لمواجهة الطلب، باستقدام الاطباء والمهندسين والممرضات، وغيرها من المهن الاخرى، ولأن القضاء لا يمكن ان يتم الاستعانة بخبرات او استقدام قضاة من الخارج من دول عربية مجاورة، أو من أي مكان آخر، لهذا بقيت المحاكم لدينا على حالها، تشهد تضخماً في عدد القضايا والحالات، فيما عدد العاملين في المحاكم لا يغطي أو يلبي احتياجات الشكاوى، وتدريجياً أصبحت المحاكم بفئاتها كافة إدارية أو جزائية تشهد تكدساً للقضايا مع قلة العدد، وأيضا الأسلوب الإداري الذي لم يتطور مع ظهور الوسائل الحديثة كافة، فبقيت المحاكم على حالها من دون أي تغيير يذكر، قد يسهم في سرعة النظر في القضايا أو البت فيها، لهذا تراكمت القضايا، ووصلت الى اكثر من 700 ألف قضية في العام ينظر فيها نحو 662 قاضياً، وبحسب معلومات نشرت فإن المعدل العالمي 26 قاضياً لكل 100 ألف، أما في السعودية أربعة قضاة لكل 100 الف. الجهاز القضائي مثل غيره من الادارات التي عانت من نقص الكوادر والخبرات، وغابت عنها الجامعات والكليات في تغطية حاجتنا من المؤهلات المطلوبة، وهو ما يدعونا للتساؤل، اذا كانت خطط التنمية والتطوير في البلاد تسير في اتجاه واحد، في اي اتجاه كانت تسير الجامعات والكليات في بلادنا؟ وماذا كانت تقدم لنا وما الاقسام والتخصصات التي كانت تخرجها لنا؟ عمرنا الزمني كبلد يتجاوز ال 100 عام، وعمر التعليم يقترب من من السبعين، هل يعقل أننا لم نتمكن من توفير احتياجاتنا من الكوادر العلمية والشرعية، او حتى المهنية؟ بلد مثل الجزائر عدد سكانها 33 مليون نسمة، لديها اكثر من 3500 قاضٍ، بينما نحن عدد السكان لدينا لا يتجاوز 27 مليوناً، لدينا فقط 800 قاضٍ. المهم لا نريد التباكي على ماضٍ، يجب ان ننظر الى هذا الجهاز على انه المرفق المهم والحساس، وهو نبض المجتمع، به تسكن القلوب، وقد تغلى او تضطرب اذا ضاعت او تأخرت، انها قضايا الناس من رجال ونساء وحقوق ومتى ما تأخرت، تقلق الناس. قرارات الملك عبدالله قبل أشهر بتعديل هيكل القضاء في السعودية، يجب ان يقابلها فكر ناضج ومتطور في اهمية القضاء وآلية التعامل، وتأسيس بنية تحتية لتوفير الكوادر، والاحتياجات المطلوبة، حتى وان استدعى الأمر إنشاء جامعة خاصة تُعني بتأهيل وتدريب وتخريج قضاة مؤهلين، وهي تكون متخصصة لهذا الغرض، ومن المهم ان ينظر القائمون الى عمل القضاء والمحاكم بما يسهل على الناس متابعة قضاياهم بسهولة ودون تعقيد، ولا بد ان لموضوع توظيف المرأة في بعض الاقسام على انها من الضروريات التي تستوجب ذلك تسهيلاً لبعض القضايا التي تخص المرأة وشرح حالها، ومعالجة المشاكل التي نعاني منها منذ زمن قديم، وهي ازدواجية الصكوك والاحكام، خصوصاً في ما يتعلق بتملك الاراضي، التقنيات الحديثة والمتطورة سخرها العلم لخدمة الناس، فيجب الأخذ بها لأنها تخفف الكثير من معاناة الناس ومراجعتهم، ومثلما نبتعث الطلاب في اختصاصات علمية الى الخارج من المهم ان يعطى هذا الموضوع من الاهتمام ما من شأنه ان يرفع مستوى القضاة لدينا علماً واطلاعاً ومعرفة، ربما يتحمل المواطن او أي انسان اي تقصير من اي جهة حكومية، لكنه لن يرضى ان تضيع حقوقه او تتأخر. مجال القضاء والمحاكم في السعودية - وإن كان بطيئاً الى حد الملل في السنوات الماضية - الا انه اثبت نزاهة وقوة في انتزاع الحق لأصحابه، في قضايا تجارية وأخرى ومع ملفات لشركات اجنبية، انتزع القضاء الحق لصالح الشركات الاجنبية في خلافاتها امام المحاكم السعودية، وهذا يعكس صورة جميلة وحضارية ومكانة رفيعة، المهم الآن لا نريد ان نكثر اللوم والعتب على المحاكم والقضاة لدينا، خصوصاً اننا أعلم بالحال، علينا وعلى المسؤولين في القضاء سرعة التحرك من اجل تطوير القضاء والإجراءات الإدارية والتعامل باسلوب عصري، وأيضا التفكير بجدية في تغطية النقص الشديد في الاحتياجات المطلوبة كافة، واعذروا الناس إذا تذمروا أو غضبوا حينما يغيب القاضي أو يتأخر. * إعلامي وكاتب اقتصادي