دلّ الإعصاران « تشابالا « و «ميغ» اللذان ضربا السواحل اليمنيّة مطلع الشهر الماضي، على حجم التهديد الذي ينتظر البلد الأفقر عالميّاً بأثر من تغيّر المناخ. وتبدو جزيرة سُقطرى اليمنية مهدّدة بالغرق بسبب من ارتفاع مستويات المسطّحات المائيّة الكبرى عالميّاً، وهي تشتهر بأنها من أبرز الجزر في استضافة التنوّع الحيوي النباتي. ويعني ذلك أن غرق سُقطرى يمثّل خسارة كبرى لليمن، بل للإنسانيّة جمعاء، مع الإشارة إلى أن ال «يونسكو» صنّفتها ضمن مواقع التراث العالمي. كنوز مهددة وتنفرد سُقطرى ب 528 نوعاً من النباتات النادرة، إضافة إلى ما يلامس الواحد في المئة من الزواحف و59 في المئة من الحلزونيّات البريّة، وكلها نادر تماماً. وتحتوي الجزيرة أيضاً على 352 نوعاً من المرجان الذي يدعم الشعاب المرجانيّة، و730 نوعاً من الأسماك الساحليّة، و300 نوع من السراطين والكركند. شكّل الإعصاران كارثة لذلك التنوع الحيوي، وفق أحمد سعيد سليمان، مدير مكتب الهيئة العامة لحماية البيئة في سُقطرى، الذي أوضح أن الإعصارين جرفا شعاباً مرجانيّة وكائنات بحريّة كنجم البحر. وكذلك قدّر مدير مديريّة سُقطرى حديبو سالم داهق أن 45 في المئة من البيئتين البحريّة والبريّة تضرّرت بسبب الإعصارين، خصوصاً مع تضرّر محميّة «ديحمري» التي تضمّ شعاباً مرجانيّة نادرة. عطش اليمن وفق تقرير صادر عن «الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنية بتغيّر المناخ»، ارتفعت حرارة الأرض خلال القرن العشرين قرابة 0.76 درجة مئويّة، وارتفع مستوى سطح البحر 17 سنتيمتراً. وتكوّن إعصار «تشابالا» في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في بحر العرب، وضرب سُقطرى بأمواج لامس ارتفاعها 13 متراً. وتلاه «ميغ» بعد أيام قليلة. ووفق دراسة أعدّها الدكتور محمد الدعيس، وهو من «جامعة إب»، سيؤدي ارتفاع مياه البحر الى ابتلاع جزر يمنية تشمل سُقطرى، إضافة إلى مدنٍ من بينها عدن. ومنذ أن ضرب الإعصار «جونو» شبه الجزيرة العربية في2007، تواترت الكوارث المنسوبة إلى الاحتباس الحراري، كالعواصف الرمليّة العاتية وتواتر موجات وباءَي الملاريا وحمى الضنك، بأثر من انفلات تكاثر البعوض المرتبط بزيادة حرارة الأرض. لا شيء يهدّد اليمن بيئيّاً أكثر من الجفاف، بل إن تقارير دوليّة توقّعت أن تكون صنعاء أول عاصمة تنضب مياهها. وأحياناً، يؤدي الجفاف إلى هجرة الناس نحو السواحل، لكنها باتت مهدّدة في اليمن نتيجة ارتفاع مياه البحر. المفارقة أن ذلك الخطر لم يثنِ المستثمرين عن البناء على الشواطئ، وردم البحر في شكل يخالف القوانين. ويمثّل سكان المناطق الساحلية قرابة ربع سكان اليمن (26 مليون نسمة). ويصنّف اليمن ضمن البلدان الأكثر فقراً، مع تقديرات بأن يتفاقم الفقر بأثر من اضطراب المناخ الذي يؤثّر سلباً في الفئات الفقيرة، إضافة إلى تسبّبه بخفض المحاصيل وانعدام الأمن الغذائي. ومع بروز مؤشرات إلى اقتراب نضوب النفط الذي يشكل عماد الموازنة العامة في اليمن، تتفاقم آثار تغيّر المناخ. ويغيب عن اليمن الوعي المناسب بتغيّر المناخ وآثاره، مقابل حضور قوي لتفسيرات غيبيّة لظواهر الاضطراب المناخي. ويقتصر الخطاب الرسمي في ذلك الصدد، على التنديد بالفساد في استخدام أموال المساعدات المقدّمة من منظّمات دوليّة بهدف دعم مشاريع التكيف مع الاضطراب في المناخ. ويغيب أيضاً الاهتمام الحكومي بأخطار الكوارث البيئيّة. دم الأخوين في سياق الأضرار التي سبّبها إعصارا «تشابالا» و «ميغ»، اقتلعت الرياح مئات من أشجار «دم الأخوين» المميّزة لجزيرة سُقطرى. وفي المقابل، أكّد الدكتور محمد الدعيس، رئيس «مؤسسة الحياة البرية المهدّدة»، أن توالد نباتات سُقطرى خارج بيئتها الأصلية، هو أمر «ممكن وسهل»، مشيراً إلى نباتات نقلت من سُقطرى إلى «الحدائق الملكيّة البريطانيّة» في لندن. لكنه يشير إلى أن شجرة «دم الأخوين» يصعب إنماؤها حتى داخل جزيرة سُقطرى.