التاريخ الرسمي لبدء الحرب الاهلية في لبنان هو 15 نيسان (ابريل) 1975. ومنذ 35 عاماً، تتوالى على البلد الصغير مراحل العنف والهدوء من دون ان يبدو في الافق ما يوحي بنهاية هذه الدوامة. واذا كان العنف الاهلي المعمم والواسع طبع الاعوام ال35 الماضية، فإنه لم يكن سابقاً، وربما منذ انشاء دولة لبنان الكبير، الا كامناً. وعلى رغم التسويات الموسمية التي انهت كلاً من مراحل هذا العنف الكامن، لم يخرج اللبنانيون من الدوامة ذاتها. قد ترتبط ذروات هذا العنف بتغيرات اقليمية حادة، مثل الوحدة المصرية - السورية عام 1958، او هزيمة حزيران (يونيو) عام 1967 وما تلاها من صعود المقاومة المسلحة الفلسطينية التي اندحرت امام الجيش الاردني في 1970 لترتد على لبنان وتتحول «دولة ضمن دولة»، ولتبدأ نذر الحرب الاهلية في 1975. وصحيح ايضاً ان اقامة دولة اسرائيل على الحدود الجنوبية للبنان ارتدت على داخل هذا البلد، مثلها مثل المواجهات العربية - الاسرائيلية، انقساماً داخلياً وعنفاً. كل هذه العوامل الاقليمية والخارجية لم تكن سوى محفز للعنف الداخلي الكامن داخل البلد. وإن حاولت القوى المتصارعة في المنطقة استثماره لمصلحتها، بتأجيجه تارة وتهدئته تارة اخرى. وباستثناء «الثورة البيضاء» في 1952، والتي شارك فيها سياسيون من كل الطوائف لمنع التجديد لرئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري، افضت تسويات مراحل العنف اللاحق الى تعديلات في ميزان الحصص الطائفية في السلطة. ما يعني ان العنف كان ينبع دائماً من اعتراض على هذا التوزيع داخل النظام، ويأتي العامل الخارجي ليحفز على الانتقال الى الصدام الداخلي الذي لا ينتهي الا بتعديل جديد في هذا التوزيع. وحتى اتفاق الطائف في 1989 الذي اعتبر تسوية نهائية تضع البلاد في منأى عن العنف الاهلي، لم يمنع حصول عنف لاحق تمثل بعملية 7 ايار وضرورة اتفاق جديد سمي اتفاق الدوحة في 2008. والتدقيق في هذه الاتفاقات التي فرضت بعد عنف داخلي حمل عناوين اقليمية تتصل اساساً بالنزاع مع اسرائيل، من حماية المقاومة ضد اسرائيل، التي تمثلت يوماً بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي، الى حمايتها حالياً، ممثلة في «حزب الله» وسلاحه، يكشف ان بند الحماية يتراجع الى اهمية ادنى من توزيع الحصص السياسية للطوائف. ما يعني ان هذا الهاجس هو الكامن لدى المعترضين وحاملي السلاح. كان الاعتراض اسلامياً على حصة المسيحيين في السلطة، قبل اتفاق الطائف. ثم تحول الى اعتراض من الشيعة على حصة السُنة التي ازدادت في هذا الاتفاق. ثم جاء اتفاق الدوحة ليعطي الشيعة حصة اكبر في السلطة. وهذه الدوامة ستستمر مع كل تطور اجتماعي داخلي يتيح لطرف ان يعترض لتحسين حصته. في هذا المعنى، يرتبط استمرار الحروب اللبنانية المعلنة او الكامنة بالتعددية الطائفية. او بالاحرى بالعجز عن فك ارتباط النظام بهذه التعددية الطائفية. وليس كل من التسويات التي تم التوصل اليها الا عاملاً لتغذية الحرب الكامنة، لأن طرفاً فيها سيشعر بظلم المرحلة التي فرضت عليه تقديم التنازل، وسيكمن استعداداً لجولة مقبلة تتطابق ظروفها الداخلية مع تطور اقليمي. واليوم، ومع كل الاتفاقات والتسويات ورئيس الجمهورية التوافقي وحكومة الوحدة الوطنية، تتكرر في الجدل حول استحقاق الانتخابات البلدية والاستعدادت لها هواجس الحصص الطائفية وصورة الطائفة الموحدة وراء الزعامة المتمسكة بتوسيع حصتها.