إنه «فيلم فيفا 2015» بالسيناريو الهوليوودي، أقطاب معتقلون فجراً في فندقهم المترف، رئيس في ورطة، نظام فساد مترامي الأطراف شجبه القضاء الأميركي، وأزمة رهيبة هزت أقوى المنظمات الرياضية على هذا الكوكب الاتحاد الدولي لكرة القدم. من زيوريخ إلى جزر كايمان مروراً بريو دي جانيرو وميامي، تعقبت السلطات الأميركية مئات الملايين من الدولارات المدفوعة خارج القوانين على مدى عشرات السنين، لأجل منح حقوق تنظيم كؤوس العالم لكرة القدم والحصول على حقوق البث التلفزيوني. كل هذا في نهاية حكم الإمبراطور جوزيف بلاتر (79 عاماً)، الشخصية المركزية المعاد انتخابها لولاية خامسة متتالية في أيار (مايو) الماضي، قبل دفعه إلى الاستقالة ثم إيقافه ثمانية أعوام، وذلك قبل الانتخابات المقررة في 26 شباط (فبراير) المقبل. أزمة لا تصدق بحجمها، لكن غير مفاجئة بظهورها، فشبهات الفساد تراكمت منذ أعوام حول حيتان «فيفا» على غرار حاكم منطقة كونكاكاف ل(20 عاماً) الترينيدادي جاك وارنر، والقطري محمد بن همام الموقوف مدى الحياة في 2012، وبلاتر الجالس على قمة نظام كرة القدم. وأثار نجاح ملف قطر لاستضافة مونديال 2022 الشبهات في نهاية 2010، وذلك مع التقرير الشهير للمحقق الأميركي مايكل غارسيا، الذي نشره الاتحاد الدولي في نهاية 2014، لكن بطريقة «مغلوطة» بحسب المحقق الفيديرالي السابق الذي أقفل الباب بعد خداعه فدفن التقرير! في فجر ال27 من (مايو) الماضي، دخل المحققون السويسريون وخصوصاً نظرائهم الأميركيين على الخط، فتحولت النسخة السويسرية إلى فيلم ضارب حول العالم، ففي صباح ذلك اليوم وقبل كونغرس «فيفا»، الذي كان سيقود بلاتر إلى ولاية خامسة على التوالي، تم اصطياد سبعة من كبار مسؤولي اتحاد اللعبة الدولي في فندقهم الفاخر في زيوريخ، قبل إصدار جولتين جديدتين من الاتهامات مطلع كانون الأول (ديسمبر) الجاري. تحدثت لائحة الاتهام الأميركية عن «ابتزاز منظم» و200 مليون دولار من الرشاوى والعمولات منذ عام 1991، إذ تصدت وزيرة العدل الأميركية لوريتا لينش للفضيحة، «مستوى خيانة الثقة في هذه القضية مثير للاشمئزاز حقاً، ولا يمكن تصوّر حجم الفساد المزعوم»، متوعدة بمطاردة «الجناة الباقين في الظل». في المجموع، اُتهم 39 شخصاً، 12 منهم أقروا بالذنب وشركتان، معظمهم من أميركا الجنوبية وكونكاكاف (أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي)، ومن بينهم نواب رؤساء ل«فيفا» حاليين وسابقين، وآخر ثلاثة حكام لكرة القدم البرازيلية. اعتقالات، وإقامة جبرية وأساور إلكترونية، أرعبت الإجراءات العالم القضائي الإعلامي وحتى الجيوسياسي، بينما اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أميركا بلعب دور الشرطي لتغطية عار فشلها باستضافة مونديال 2022، وكما في الأفلام ووراء الكواليس هناك جاسوس، فالمترف الأميركي تشاك بلايزر أمين عام اتحاد كونكاكاف السابق لعب دور الجاسوس لمتورطين سابقين معه، في صفقة مع قضاء بلاده لخفض عقوباته الجزائية، إذ تحركت لجنة الأخلاقيات، الضابطة العدلية الجدلية في «فيفا»، فأوقفت بلاتر ورئيس الاتحاد الأوروبي المرشح لخلافته الفرنسي ميشيل بلاتيني، في قضية دفع متأخرة بقيمة 1,8 مليون يورو من الأول إلى الثاني، وذلك لمدة ثمانية أعوام، فخلافاً لبلاتيني، اُتهم بلاتر من القضاء السويسري في هذا الملف، فضلاً عن ملف منح حقوق تلفزيونية بسعر بخس لمصلحة وارنر ضد مصالح الاتحاد الدولي. تساقطت الرؤوس مثل أوراق الخريف، فأمين عام الاتحاد الدولي للعبة منذ 2007 الفرنسي جيروم فالك، عُزل من منصبه لمزاعم احتياله ببيع تذاكر المونديال، والقيصر الألماني فرانتس بكنباور يكافح لتبرير دفع مالي ل«فيفا» قبل الحصول على حق تنظيم مونديال ألمانيا 2006، فيما أوقف الكوري الجنوبي تشونغ مونغ جون (نائب رئيس الاتحاد الدولي السابق عن آسيا والمرشح للرئاسة) ستة أعوام في إطار منح مونديالي 2018 و2022.