كانت محافظة جميلة يقصدها السياح من خارج مصر وداخلها. لكن الفقر والجهل والفساد غرست أنيابها فيها فتحوّلت من إحدى أجمل محافظات مصر إلى إحدى أفقر البقع المصرية وأكثرها مرضاً وبؤساً، لا سيما في مراكز يوسف الصديق وأبشواي وإطسا. ووفق تقرير التنمية البشرية المحلية لعام 2015، تتبوّأ هذه المراكز مكانة الصدارة من حيث نسب البطالة والفقر وتفشّي الأمراض، وأن نسب الوفيات تزيد فيها بسبب تدنّي الخدمات الصحية وانتشار الجهل. وإلى الفيوم تتوجّه أنظار جمعيات أهلية وشركات كبرى علّها تساعد في الحمل الثقيل المُلقى على كاهل الحكومات المتعاقبة. ويبدو أن كلمة السر هي المرأة والطفلة، لا سيما أن نسبة النساء المعيلات في هذه المحافظة الفقيرة بلغت نحو 46 في المئة، والفقر 36 في المئة، والبطالة 24 في المئة. وأحدث هذه الجهود مشروع واعد يهدف إلى تعزيز القدرات الاقتصادية للمرأة. نقطة البداية 800 سيدة و600 ولد من أبنائهن و240 طفلاً صغيراً وذلك من مركزي أبشواي ويوسف الصديق، يمثلون نواة مبادرة لإتاحة الفرص الاقتصادية للسيدات من الفئات الاجتماعية والاقتصادية الأكثر حاجة، وذلك بتنمية مهاراتهن الحياتية وقدراتهن الاقتصادية اللازمة لبدء مشاريع صغيرة خاصة بهن، إضافة إلى تقديم الخدمات التعليمية للصغار. وتأتي المبادرة ضمن سلسلة مشاريع تتولاها مؤسسة «إكسون موبيل العالمية» بالتعاون مع «هيئة إنقاذ الطفولة» ووزارة التضامن الاجتماعي لتنمية المجتمع. ويقول رئيس مجلس إدارةة «إكسون موبيل» العضو المنتدب المهندس هشام العمروسي، إن هذه المبادرة تهدف إلى التواصل بنجاح مع اللواتي وقع عليهن الاختيار لإحداث تغيير جذري في حياتهن ومن ثم حياة أسرهن. ويضيف: «نركّز على تعزيز دور المرأة وتعليم الأجيال الصغيرة والشباب نظراً إلى أهمية التعليم في نهوض أي مجتمع». ويلفت مدير هيئة إنقاذ الطفولة في مصر كريس ماكيفور إلى أن أبرز الأهداف يجب أن يتمحور حول توفير الحاجات اللازمة لتنشئة الأطفال في بيئة آمنة وبطريقة صحية، لذا من الضروري التركيز على المرأة التي تعد عمود الأسرة المصرية والمسؤول الرئيس عن تربية الصغار. ويضيف: «يجب الارتقاء بحقوق النساء الاقتصادية والاجتماعية ومشاركتهن بفعالية وإيجابية حتى يتمكنّ من المساهمة في دفع العجلة الاقتصادية. كما يجب تغيير نظرة المجتمع نحو المرأة والطفلة اللتين تعرقلت فرصهما أمام المشاركة الإيجابية في مجتمعاتهما». ويعتمد المشروع على برامج تدريبية موجّهة لبناء قدرات المرأة ومساعدتها على اختيار أفكار لمشاريع صغيرة تناسب ظروفها الاجتماعية، مع إمدادها بمهارات إدارة المشاريع وتسويقها. وستحضر المشاركات أيضاً سلسلة من الندوات التثقيفية لزيادة الوعي بمهارات الحياة اللازمة لبناء الأسرة وتنشئة الأبناء تنشئة صحيحة، فضلاً عن تنمية مهارات النساء القيادية داخل الأسرة والمجتمع. يذكر أن محافظتي الفيوم والبحيرة تشهدان أعلى نسبة هجرة غير شرعية للشباب، وهي الظاهرة المعروفة ب «مهاجري المراكب» عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا، ما يترك مسؤولية أسر عدة في عهدة نسائها. وتشير مدير المشروع القائم بأعمال مدير برنامج التعليم في هيئة إنقاذ الطفولة أماني صالح، إلى أن الاختيار وقع على محافظة الفيوم لأنها إحدى أفقر محافظات مصر وتفتقد لخدمات عدة. وتوضح: «وضعنا معايير لاختيار السيدات تمثلت في الحالة المعيشية للأسرة وعدد أفرادها ومستوى الدخل والتعليم ونوعية المهارات التي تحتاجها لتبدأ مشروعها». وتضيف صالح، التي تعمل أيضاً كإحدى الميسّرات في المشروع، أن تنمية المرأة يرفع العناء عن الأسرة بأكلمها. وفي الفيوم آلاف من اللواتي يحملن شهادات جامعية ويحتجن فرصاً حقيقية للعمل وتوفير مصدر دخل لأنفسهن ولأسرهن. وضمن المبادرة ذاتها سيخضع 600 من أبناء المشاركات إلى برنامج توعية وتنمية للمهارات الحياتية، إضافة إلى تقديم خدمات تعليمية ل 240 طفلاً في 8 دور حضانة يجرى إنشاؤها وتجهيزها بمعايير وأسس علمية حديثة. كما يعدّ 24 معلماً من الجنسين لهذه الغاية. وحققت المبادرات المجتمعية السابقة نجاحات كبيرة في مجالي التعليم والتمكين، لا سيما للنساء والفتيات في المناطق الفقيرة. وتذكّر مدير العلاقات الخارجية والحكومية في «إكسون موبيل» نهاد شلباية، أن مبادرة «إشراق» وفّرت للفتيات المحرومات من الدراسة في مناطق ريفية في صعيد مصر فرصة للحاق بمسار التعليم، في فصول محو الأمية والرياضة وتنمية المهارات الحياتية، واستهدفت ألف فتاة من 21 قرية. ونظراً إلى نجاح المبادرة والنقلة الكبيرة التي أحدثتها في حياة الفتيات وأسرهن، أطلق «إشراق بلاس» بهدف تحسين حياة الفتيات في 11 قرية في محافظة أسيوط ومستوى معيشتهن. واستهدفت المبادرة 600 فتاة تسرّبن من التعليم المدرسي في محافظتي بنى سويف وأسيوط عبر برنامج محو أمية واكتساب المهارات الحياتية والرياضة والتدريب في مجال المشاريع الصغيرة، فضلاً عن 350 أماً دُرّبن لبدء مشاريع صغيرة تؤمّن موارد اقتصادية لأسرهن. مبادرات وفّرت ل 1600 فتاة حرمن من التعليم فرصة جديدة للحياة الكريمة، فأسسنَ مشاريع صغيرة مثل مشاغل صناعة الملابس والمفروشات المنزلية. كما أن كثيرات منهن يعلن أسرهن ويؤمّنَ فرص عمل لأخريات. في الفيوم كلمة السر هي المرأة، لكن رغم ذلك تبقى العادات والتقاليد، النابعة من الفقر والتجهيل عقبة كبرى. تقول مروة حسين إحدى المتطوعات في مبادرة الفيوم: «المرأة لدينا مهمشة على رغم أنها الأساس الذي تبنى عليه الأسرة. وتنقصها قدرات وإمكانات لا سيما الاستقلال المادي (على رغم إنها تكون المعيلة)، ومن شأنه أن يزيد ثقتها بنفسها، ويرفع مكانتها الاجتماعية ويكسبها مهارات التعامل مع المجتمع خارج قيود البيت».