تحت عنوان «المحترف» يكرم متحف الفن المعاصر في مركز بومبيدو الفنان الإنكليزي لوسيان فرويد في معرض استعادي وهو في عمر التسعين أو يكاد، يشبه المعرض الوصية الأخيرة أو خلاصة نصف قرن من تجربة استثنائية تبتدئ من ستينات القرن العشرين وتصل حتى اليوم أو الغد. يذكّر الاسم بأنه حفيد مؤسس طب التحليل النفسي سيغموند فرويد. تتجسد قرابة الاثنين من خلال الاستغراق في عالم الذات والمكان الأنوي. ابتدأ العرض في العاشر من آذار (مارس) وسيستمر حتى التاسع عشر من تموز (يوليو) المقبل. سمي المعرض هكذا لأن المحترف يمثل المسرح المكاني الوحيد في لوحاته، وما الثنائية التي رتبت على أساسها اللوحات: «الداخل والخارج» إلا باعتبار كل ما هو خارج حدود محترفه مهاجراً عن تكوين اللوحة، وكأن نوافذ المرسم بمثابة عيني المصور، وحتى حصانه المفضل في رسمه لا يصوره إلا داخل المحترف، كذلك أمر كلبه، وبعض أعضاء عائلته. في إحدى لوحاته يبدو مع كلبه عارياً في فراشه يضع للوحة اسماً ذا مغزى: «الأقدام الأربع»، هذا يعني أنه يصور نفسه في مركز عالم المحترف ومن يحيط أو ينتسب إلى هذا العالم من كائنات حية وجمادات. يصور نفسه (مثله مثل جورج بازلتز) عارياً من دون أن يفقد قيد أنملة من مهابته الفنية أو التعبيرية، فموضوع العاري الغالب على أعماله يمثل ذريعة لسلخ الكينونة العضوية عن أردية المجتمع وأقنعته واسترجاع الإنسان لغربته ووحدته القدرية والوجودية، هو ما يفسّر استخدامه لهيئة اللحم ولونه بطريقة استفزازية لا تخلو من التحدي التحريضي، بخاصة أن نموذجه المفضل هو امرأة بدينة تزن مئة وسبعة وعشرين كيلوغراماً، تغور بكتلها اللحمية والدهنية المترهلة في بواطن كنبة مبرقعة. تعترف الموديل بأنه اشترى الكنبة بعد أن قرصها برد المرسم، بخاصة أنه كان يطلب منها الجلوس في أوضاع مرهقة غير مريحة. يدفع لها 25 يورو على الجلسة وتعمل خمسة أيام في الأسبوع. وفي المقابل كان يستخدم نموذجاً أنثوياً آخر وهذه لا تخلو من تناسق جسد عارضة أزياء. يوسم فناننا بالبيولوجي بسبب أشكاله العضوية تفريقاً عن صفة البسيكولوجي التي عرف بها جده، لذلك فموضوع العاري الاستفزازي (البعيد عن الإغراء الجنسي وسواه) يمثل مركز أصالته وخصائصه التي عرف بها والتي أوصلته اليوم الى شهرة صديقه (الذي صوره عارياً بدوره) وهو فرانسيس بيكون. اللوحة اليتيمة التي خرج بها عن موضوعه الأثير هي لوحة قزمة صوّر فيها الملكة إليزابيت. وإذا كنا بصدد الحديث عن نموذجه الأنثوي البدين الذي استخدمه لخمس سنوات فقد مثّل بالنسبة إليه فأل خير، فقد ابتدأت شهرته الانفجارية باعتبار لوحاته الأغلى لفنان حي. عندما بيعت احدى لوحات هذا الموديل الضخم مع الكنبه المبرقعة في مزاد علني لكريستيس في نيويورك بمبلغ تجاوز 33 مليون دولار، اقتناها أحد الاثرياء الروس الجدد وهو رومان ابراموفيتش كان الحدث أشبه بالقنبلة، تقاطرت على إثرها طلبات المتاحف تتزاحم على شراء لوحاته. يملك هذا المعلم قدرة فنية أدائية وتقنية موهوبة واستثنائية، أثبت إلى جانب جورج بازلتز أن الأصالة المعاصرة لا تتناقض مع فضيلة المهارة والتدرب الأكاديمي والخبرة التراكمية. كذلك فإن القدرة على رسم المرئي لا تقل أهمية عن إعادة تأويله بطواعية تشكيلية متأنية ماهرة وحكيمة. لذلك وعلى رغم حداثة طابعه الاستفزازي نتلمّس لديه حساسية وخبرة الأقدمين مثل شاردان وكونستابل والمحدثين ما بين سيزان وبيكاسو.