رأيت في ما يرى النائم أنني أدخل إلى قاعة كبيرة ذات قبة مزخرفة تتوسطها طاولة مستديرة يجلس على طرف منها نفر من الناس لم أتبيّن ملامحهم في البداية، لكن عندما اقتربت شاهدت وزير العمل غازي القصيبي، وحوله عدد من المسؤولين أعرف بعضهم، لكن هناك عدداً كبيراً منهم لا أعرفه. بادرني القصيبي قائلاً: هل تعرف لماذا استدعيناك؟ قلت: لا أعرف. قال: نحن استدعينا كل الذين كتبوا وانتقدوا ونظروا في أمور السعودة، وأعطينا كل منهم أسبوعاً لكي يأتينا بحل لمشكلة السعودة، شريطة أن تصبح البطالة بين السعوديين خلال ستة أشهر «ذكرى من التاريخ». قلت: كيف تطالب بحل مشكلة البطالة يا وزيرنا العزيز في ستة أشهر، ولم تستطع أنت حلها في ست سنوات؟ قال: هذه أوامر عليا نفذها وإلا فسيصبح مصيرك مثل مصير الكتّاب أمثالك الذين ليس لهم من هم سوى التنظير والشكوى وكل منهم يهرف بما لا يعرف وأولهم أنت، ثم أردف قائلاً: إذهب وآتنا بحل وسننظر في ما تأتي به وجميع هؤلاء المسؤولين وأنا سننفذ، ومد لي بورقة وقال: هذه هي المعايير والمحاذير لا بد أن تتقيد بها. خرجت من القاعة وأنا في «حيص بيص» كيف أنجو بنفسي؟ كيف أجد حلاً لهذا المشكل الأزلي الأبدي؟ وكيف أجد عملاً للسعوديين العاطلين عن العمل الذين يصل عددهم في دفاتر مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات الى قرابة نصف مليون، بينما يصل عددهم في بيانات أخرى الى ثلاثة ملايين؟ ماذا أعمل في مخرجات التعليم التي يقال انها لا تتفق مع مدخلات سوق العمل؟ كيف أجمع المعلومات والإحصاءات والبيانات المتفرقة بين عشرات المؤسسات الحكومية والخاصة عن سوق العمل؟ كيف أقنع القطاع الخاص بأن يوظف السعودي؟ كيف أقنعه أيضاً بأن يفهم ويعرف ويعترف بأن توظيف السعودي أقل كلفة وأكثر عائداً من العامل الوافد؟ كيف يمكنني تغيير الصورة عن العامل السعودي؟ كيف، وكيف، وكيف؟ من ناحية أخرى، زادت قائمة المعايير والمحاذير من همي ومن إحباطي ومن صعوبة المهمة. قائمة طويلة من الجهات العليا تهدف إلى راحة المواطن. وجدت في القائمة عشرات المعايير والمحاذير تنقسم بين الوطن والمواطن. لا بد أن تستمر التنمية، وأن تستكمل مشاريع البنية التحتية. ولا بد أن يستمر ويتسارع معدل النمو في الاقتصاد. ولا بد للحلول ألا تكلف خزانة الدولة هللة واحدة إضافية. قائمة طويلة ومعادلة صعبة ومهمة أصعب والمهلة أسبوع والتنفيذ ستة أشهر. وجدتها، وجدتها، وجدتها. ليس لي من حل سوى الاستعانة بالله جلت قدرته ثم بالجن. الجن مخلوقات قادرة وتستطيع أن تساعد في هذا الشأن ولي صلات معهم، أو لبعض من أقاربي علاقة حسنة معهم. ذهبت إلى كهف الجن وهي الغرفة المخصصة للاتصال بهذه المخلوقات الطيبة. جاءني الحارس وقال: أهلاً طرزون - هذا اسمي الخاص بالمرور - هات ما عندك. قلت: عندي معضلة و«أريد حلاً». قال: نعرف مشكلتك وسيأتيك من الله المعين في التو والحين. قلت لا إرادياً: كفو. بعد ثوان قليلة وصل «حرفوش» الذي تم تعيينه للنظر في الأمر من اخواننا الجن، له معرفة شاملة وكاملة بمواضيع الموارد البشرية، والأرقام والإحصاءات، وتقنية المعلومات، وله أيضاً باع في علم الإدارة والاقتصاد والسياسة والاجتماع. بمعنى آخر جني مثقف ومطلع وقادر، ولذا يطلق عليه «مارد»، وهذا لقب رفيع عند اخواننا الجن يمنح لذوي الخبرة والعلم بشؤون الإنس، وما جاورهم من المخلوقات. طلب مني «حرفوش» أن أجلس بين يديه، وقال: لماذا أنت مكترب ومكتئب؟ قلت: هذه، ومددت له بقائمة المعايير والمحاذير. قال: موضوعك سهل وبسيط وسيتم حله خلال فترة أقل مما تتصور. قلت: كيف؟ قال: هذه أمور بسيطة وغير معقدة لكنكم لا تريدون الحل. قلت: كيف وليس لنا هم إلا العطالة والعمالة والبطالة المقنعة والمبرقعة والهيكلية والسعودة الحقيقية والوهمية؟ قال: لا تزعجني بمصطلحاتكم، السعودة كما تطلقون عليها أمرها سهل وعلمنا صاحبك القصيبي أكثر من مرة. وأردف «حرفوش»: صحيح لو طلبت حل أمور أخرى مثل: إصلاح حال الخطوط السعودية، أو الازدحام في شوارع الرياض، أو أزمة الصرف الصحي في جدة، أو وضع سيارات الأجرة في مطاراتكم كان وجدنا صعوبة، لكن أمر السعودة والبطالة والعمالة أمور يسهل حلها. كان يتحدث بهدوء، حديث العالم العارف الواثق مما يقول. تمتم قليلاً وتنهد ثم أخرج من جيبه ورقة مطوية، وقال: خذ هذه الصحيفة ففيها الحل يا باشا. حلوة يا باشا! يبدو أنه قد جاء لتوه من بلاد النيل. نظرت إلى الورقة، أقصد الصحيفة، وإذا بها مليئة بالأرقام والأحرف مكتوبة بخط اليد أشبه ما تكون بالرسوم في عصر الفراعنة. قلت له: لكنني لم أفهم منها شيئاً. قال: آسف، وأخذها مني ومسح عليها بإصبعيه السبابة والوسطى وأعادها لي. يا سبحان الله، وإذا بتلك الأرقام والرسوم تتبدل أمامي وتتلخص في 7 نقاط بكتابة عربية واضحة وكل نقطة منها تحمل قراراً إدارياً. قال حرفوش بصوت جهوري: لا تقرأها ولا تناقش أو تجادل أو تسأل، وأضاف بلهجة محلية «عط هالوريقة ربعك»، هكذا قال وكأنه من المشاركين في مسابقة «شاعر المليون». يقول «حرفوش» وبكل ثقة: إذا نفذتم هذه النقاط لن يبقى عندكم سعودي واحد أو سعودية عاطلين عن العمل. واستدرك «حرفوش» قائلاً: ولو أنكم غير جادين في عمل المرأة. قلت: كيف لسنا جادين وهناك قرار من مجلس الوزراء، أعلى سلطة في البلاد، يقضي بعمل المرأة؟ قال: لا تبحث ولا تسأل يا «طرزون». ثم أضاف: إذا نفذتم النقاط السبع لن يبقى في شوارعكم، أيضاً، عاطل أجنبي وستصبح سمعتكم الأفضل في العالم وخدماتكم أرقى وشوارعكم أنظف. وأضاف وبدون أي تكاليف بل بالعكس ستجنون مالاً أكثر. استرقت النظر إلى الصحيفة قبل أن أسلمها وإذا هي مكتوب بها النقاط السبع التالية: تبديل نظام الكفيل؛ تثبيت نسبة السعودة عند 75 في المئة للمنشآت المتعاقدة مع الحكومة فقط بشكل مباشر أو من الباطن؛ فرض غرامة مالية في حال عدم تمكن المنشأة من بلوغ نسبة السعودة تساوي راتب العامل الوافد؛ وضع حد أدنى للأجور وهو مبلغ 3750 ريالاً؛ إلزام المنشآت المستقدمة للعمالة ببناء مدن عمالية وتقديم السكن المريح والملائم، والرعاية الطبية، والطعام المناسب لجميع عمالتهم المستقدمة أو تعويضهم عنها مالياً؛ منح المرأة «ربة المنزل» راتباً شهرياً لقاء عملها في رعاية زوجها أو أطفالها أو أبويها. وضع نظام ضرائب متدرج على قطاع الأعمال. أخذت الصحيفة وذهبت إلى حيث كانت القاعة التي قابلت فيها القصيبي والمسؤولين وإذا بي أرى عشرات الكتاب والصحافيين تعرفت على بعضهم مثل: تركي الدخيل، عبدالعزيز السويد، عبدالله باجبير، نجيب الزامل، جميل الذيابي، عبدالوهاب الفايز، صالح الشيحي وغيرهم كانوا يقفون أمام باب القاعة وكل معه صحيفة في يمينه. تقدمت وطرقت الباب فخرج لي حارس ضخم منعني من الدخول فأخبرته أن معي صحيفة ولا بد لي أن أقابل الوزير وأسلمه الصحيفة ففيها الحل الذي طلبه. قال لي: لا يوجد أحد بالداخل، مهلتك أسبوعاً، اذهب وعد بعد سبعة أيام. * باحث سعودي. [email protected]