استضافت القاهرة أخيراً المؤتمر السنوي لاتحاد المؤرخين العرب تحت عنوان «العرب والبحر عبر العصور». في الجلسة الافتتاحية تحدث الدكتور حسنين ربيع عن معرفة العرب بالبحر منذ خلافة عمر بن الخطاب، ثم قرار الخليفة عثمان بن عفان إنشاء أسطول بحري لمحاربة الروم في البحر المتوسط. وأوضحت الدكتورة زبيدة عطا أن العرب تحدوا أخطار البحر وأهواله وجابوه شرقاً وغرباً وذكروه في قصصهم وأخبارهم وأشعارهم، كما أبرزت دور المؤرخ فهو ضمير الأمة ومُدون تاريخها. وعالجت غالبية الأوراق المقدمة إلى المؤتمر محاور تختص بعلاقة العرب بالبحر من الناحية السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومنها بحث آمال حامد، جامعة القاهرة، في عنوان «رؤية المؤرخ البيزنطي ليو الشماس عن حملة نقفور الثاني على صقلية 353ه»، فهو المؤرخ الوحيد المعاصر لتلك الفترة، والذي سجَّل أحداث الحملة وهزيمة الروم على يد المسلمين ووقوع الكثير منهم أسرى، ما دفع بالإمبراطور نقفور إلى طلب عقد الصلح مع الخليفة الفاطمي المعز لدين الله بعد التفوق البحري للمسلمين وتدمير الأسطول البيزنطي. وبحث تيسير محمد من جامعة دمنهور في عنوان «الموانئ الصينية ودورها في النشاط التجاري بين العرب والصين»، تناول الموقع الجغرافي لبلاد الصين وأثره في إنشاء الموانئ، ثم التعريف بسواحل الصين في العصر الإسلامي ودورها في ازدهار حركة التبادل التجاري البحري العربي - الصيني في العصر الإسلامي. وتناول خالد بن على النجمي من جامعة الإمام محمد بن سعود في بحثه، التجارة الساحلية المتبادلة بين مدينتي سلا وإشبيلية في عهد الدولة الموحدية، متتبعاً العلاقة بين المدينتين وموضحاً العوامل التي ساعدت على ازدهار ميناء سلا وفي مقدمها نشاط حركة التجارة الداخلية فيه وأسواق المغرب الأقصى وسيطرة الدولة الموحدية على مساحات واسعة، ناهيك عن الأسطول الموحدي، وكذلك العوامل التي ساهمت في زيادة النشاط التجاري بين الموانئ الأندلسية والمغربية بحيث كانت السفن تغدو وترحل بمواعيد منتظمة. بينما عالج السماني النصري من جامعة الزعيم الأزهري بالسودان في بحثه، أهمية ميناء سواكن على البحر الأحمر، وأشار إلى أن اكتشاف سواكن تزامن مع النشاط البحري والتجاري الذي مارسه اليونانيون والبطالمة، كما كان قدماء المصريين من عهد الأسرة الخامسة يمرون عبر سواكن للوصول إلى بلاد بونت (الصومال) لجلب الذهب والعاج، وركَّز الباحث على ميناء سواكن في القرن الثامن الميلادي نظراً إلى ذكر اسم سواكن لأول مرة في مؤلفات الرحالة المسلمين، حيث كانت مرتبطة بمراكز تجميع التجارة على النيل وكانت تشكل منفذاً بحرياً للدويلات المسيحية في السودان، إضافة إلى تأثر المدنية بالعمارة المملوكية. أما فهد بن عتيق المالكي فقدَّم بحثاً عن التنافس البحري التجاري بين العرب والبرتغاليين آواخر القرن التاسع الهجري، فقد كان التنافس بين الطرفين قوياً للغاية وزاد العداء بعد الاكتشافات البحرية البرتغالية والوصول إلى الذهب والرقيق في حين كان النشاط العربي في التجارة العالمية البحرية مهيمناً وفي شكل واضح وذلك بفضل التجار العرب الذين أبدوا فاعلية واسعة في إتمام العمليات التجارية بين الموانئ الآسيوية والأفريقية والأوروبية، ولم يفكر أي طرف من المتعاملين مع العرب في تجاوز الحدود فقد ربطت بينهم تقاليد عريقة رسمت طبيعة خاصة وسمات واضحة للعلاقات البحرية العربية ونتيجة لذلك حدث عدد من الاحتكاكات والصراعات بين الطرفين. وبحث عايد عتيق جريد من جامعة الكويت في تجارة اللؤلؤ وأثرها على المجتمع الكويتي بين عامي 1912 - 1959 مذكراً بأهمية هذه التجارة، كأحد الموارد المالية للكويت، حيث بلغ عدد سفن الغوص نحو 812 سفينة في مطلع القرن العشرين وبلغ عائد الغوص 400 ألف جنيه إسترليني، وعلى رغم الصعوبات والأخطار التي يقابلها الغواصون عند جمع اللؤلؤ إلا أن تجارته استمرت مزدهرة حتى بلغت ذروتها في 1912 وهو ما عرف بسنة (الطفحة) أي تجاوز الحد، ولكن تعرضت لكساد تجاري عام 1928 (نكبة الغوص) نتيجة ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني الذي ينافس اللؤلؤ الطبيعي لرخص ثمنه، فأدى ذلك إلى عدم توافر المشتغلين بها سواء من التجار أو الغواصين. وتطرق غيثان بن على بن جريس من جامعة الملك خالد إلى دراسة تاريخية عن البحر والعرب في كتب اللغة والجغرافيا والتاريخ، منوهاً بأن البحار من الموضوعات التي تعرضت لها كتب التراث الإسلامي فذُكرت أسماء البحار والمحيطات ومواقعها وأهميتها السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية عبر أطوار التاريخ، بخاصة في المؤلفات الإسلامية المبكرة والوسطية في علوم اللغة والجغرافيا والتاريخ، خصوصاً أن بعض المؤلفين العرب تعرضوا لعالم البحار وما فيه من عجائب وغرائب وأسرار مع ذكر دور العرب المميز في ركوب البحر وعلاقتهم بالدول البحرية الأخرى. كما تناول فهمي مقبل من جامعة البترا الحديث عن فضل العرب والمسلمين في اكتشاف أميركا والتساؤلات حول غياب دور الأسطول العثماني في هذه المنافسة، وبالتالي، فالباحث يلقي الضوء على دور العرب في ذلك من خلال الأدلة والحقائق التاريخية، مؤكداً أن كريستوفر كولومبس كان يخشى ألا يجد موطئاً لقدم عند وصول سفنه الثلاث إلى شواطئ ما عرف في ما بعد بالعالم الجديد، أو كما سماها كولومبس الهند الغربية وهو الاسم الذي بقيت معروفة به عند الأوروبيين، ولكنه وجدها أرضاً مأهولة بالسكان، في حين كان العرب قد سبقوه إليها منذ سنوات عدة ومن جاء بعده اعتمد على خرائط الجغرافيين المسلمين ومع ذلك حاول الغرب كثيراً أن يستأثر وحده بالكشف الجغرافي والتاريخي بعد أن صمت العرب عن هذه الادعاءات الواهية وعن سرقته حضارة أمتنا العربية. وكانت آخر ورقة بحثية قدمها راضي محمد عن حفل قناة السويس الأول، عارضاً ظروف حفر القناة الذي استغرق عشر سنوات، ثم بدأت مصر تستعد لحفل افتتاح القناة أثناء حكم الخديوي إسماعيل الذي أراد أن يجعل من ذلك الافتتاح فرصة ليري العالم الأوروبي مدى التحضر الذي وصلت إليه مصر في عهده وظهر ذلك من خلال الدعوة التي وجَّهها إلى الملكة فيكتوريا ملكة إنكلترا، ومظاهر البذخ والترف في الاحتفال فسافر بنفسه لتوجيه الدعوة إلى الملوك والأمراء لحضور الحفل، لكنه أغفل عمداً دعوة السلطان العثماني ليظهر بمظهر الحاكم المستقبل لا التابع له، كما ذكر الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لقناة السويس البحرية. وأنهت الندوة جلساتها بتوصيات ومقترحات عدة، وأن يكون موضوع المؤتمر المقبل في عنوان «نظم الحكم والإدارة في العالم العربي عبر العصور».