"معك هوية إذاً انت موجود". انت حرّ. لديك حقوق وعليك واجبات. تستطيع العمل والتملك والسفر بسهولة... الشخص عبارة عن اوراق بالنسبة الى أي دولة، فاذا ما تعددت او تغيرت اوراقه تعددت وتغيرت انتماءاته، وربما نقلته من واقع الى آخر. يمتلك اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وثيقة خاصة باللاجئيين ولا يحملون الهوية او الجواز الفلسطيني، وادت صفة الوثيقة الى تمييزهم وعدم الاعتراف بمواطنتهم الاساسية، فحاصرت حركتهم وجعلت حياتهم اصعب. ودفعت اللاجئيين للعمل بكل ما هو متاح من اجل تحسينها بعد ان وصلت مراحل لا تحتمل لدى كثير منهم. فوجد بعضهم من ذوي الاصول الجزائرية طريقاً في استعادة الجنسية، وبنت لهم أملاً في تغيير حياتهم نحو الافضل. لجأت عشرات العائلات الفلسطيينية من اصل جزائري الى لبنان عام 1948، كانت من بين مجمل لاجئي شمال فلسطين بعد ما استقروا فيها لبضعة عقود. ويشكلون جزءا من مناصري الامير عبدالقادر الجزائري الذين روافقوه بعد خروجه من الجزائر عام 1856، فيما بقي القسم الاكبر منهم مقيماً في دمشق والقدس. يُعرف ذوي الاصول الجزائرية في لبنان ب "المغاربة" ويتحدرون من ثمانية قرى شمالية هي ديشوم، الحسينية، هوشا، معذر، التلال، العموقا، الجعونة، عولم، يضمون اكثر من ثلاثين عائلة. ويشكل اهالي قرية ديشوم اصحاب الجذور الامازيغيّة القسم الاكبر من بين حوالي 2100 شخص هو مجموعهم. لا شك ان تغيرات طاولت عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية على مدار الفترة الماضية لا سيما أسماء عدد من عائلاتهم، الا انهم لا يزالون يحتفظون ببعضها. فعائلة بشير مثلاً متفرعة من عائلة "بو حيبر" المقيمة حالياً بمنطقة "تيزي وزّو" الجزائرية، بينما عائلات مثل مزيان والوناس وواضي ابقت على الاسم نفسه. وأصبح التحدث باللغة الامازيغية الان مقتصرا على كبار السن في الوقت الذي يحتفظ فيه الشباب ببعض المفرادات كمؤشر على الانتماء. وتغيرت معها ايضاً عقلية قبلية كانت سائدة لدى الاباء تمنع الزواج خارج اطار القبيلة الواحدة التي ينتمون اليها. لكن بعيدا عن القوانين الاجتماعية بقيت أكلة المغربية ومذاقها الشهي المتوارث ابرز ما اشتهر به المغاربة وسط احياءهم ويذكرها كل من حولهم، فلا يذهب من العقول ما دخل في البطون. يقول ابو محمود الحاج المتحدر من قرية ديشوم بأنّ "اول مرة سعى فيها المغاربة الحصول على أوراق تثبت هويتهم الجزائرية من السفارة كانت اثناء الحرب الاهلية ليتم تجنيبهم تبعات المعارك أسوة بالجاليات الاجنبية". وقام موظفوا السفارة بزيارات متعددة لهم وطلبو تبعئة استمارات، لكن احداً منهم لم يحصل على الهوية في تلك الفترة. ويعزو ابو محمود سبب الاخفاق الى تدخل منظمة التحرير آنذك رافضة الفكرة، لانها كانت تعتبرهم احد اعمدة الثورة الفلسطينية. بينما اليوم يعتمد ذوي الاصول الجزائرية طريقاً آخر في تحصيل الجنسية عبر اثبات النسب مشياً بالتسلسل العائلي حتى يصلوا الى العائلة الام في الجزائر. وتنطلق اجراءات اثبات النسب من لبنان حين يقوم جميع افراد العائلة الواحدة من الجد حتى الحفيد باصدار وثائق ولادة، اضافة الى شهادة وفاة بالجد الذي لجىء الى لبنان وتوفي فيها، ويكون إما من مناصري عبدالقادر انفسهم او من أبناءهم على حد اقصى. وتقدم الاوراق الى المحكمة في الجزائر عبر محامي، لتقوم بدراسة الملف ومطابقته، وتصدر بعدها "شهادة جنسية" للافراد في حال ثبتت صحة المعلومات. ثم يرسلونها بدورهم الى السفارة في بيروت حتى تعطيهم هوية وجواز سفر جزائريين. ويُوضح ابو محمود ان الطريقة المذكورة لاقت عائقين في البداية، الاولى تمثلت في صعوبة ايجاد سجلات الاجداد لدى الدوائر الرسمية الجزائرية تعود الى اكثر من 150 عام. لكن الاحتفاظ بشجرة العائلة للقبيلة ساعد في الوصول الى أوراقهم وأرقام سجلاتهم. والعائق الثاني كان طلب المحكمة شهود من اقرابائهم في الجزائر ليؤكدوا صلة القرابة ويتفادوا ازمة المطالبة بالارث، لكن تعقيدات الخطوة اجبرت الاوائل على توقيع ورقة تنازل لتسهيل المهمة. ابو محمود حصل على شهادة جنسية بعد اتباعه الاجراءات السابقة، وينتظر استلام الوثائق من السفارة لتصبح عائلته جزائرية، وينضم الى سبع عائلات سبقته حسب ما اقر به مسؤول بالسفارة. يؤكد الحاج، ان "الهدف هو التخفيف من معاناتهم المستمرة وافساح المجال امام ابناءه للعمل والسفر بسهولة"، مضيفاً انه "مضى على النكبة اكثر ستون ولا تزال العودة الى فلسطين متعذرة وحقوقنا المدنية في لبنان منتهكة". من جهة اخرى، يصرّ بعض المغاربة وبالذات المسنون منهم ان لا فائدة من استعادة الجنسية، ويرون ان "الجزائر تخلت عنهم في السابق". واللافت ان القانون الجزائري المستمد من الدستور الفرنسي يعطي الام الحق بمنح الجنسية للابناء من دون الزوج، مما يرفع عدد مستحقيها نسبياً بعد اضافة ابناء المغاربيات المتزوجات فلسطينيين من بلدات اخرى. اما في لبنان، فلا تزال الدولة متحفظة على تعديل القرار رقم 15 الصادر سنة 1925، الذي بموجبه يعطي الاب وحده الحق في منح اللبنانية لأبناءه. فقد اكد لنا النائب روبير غانم رئيس لجنة الادارة والعدل النيابية، ان "اللجنة لم تعمل بعد على دراسة تعديل القرار المتعلق بالجنسية". يقدر اعداد الفلسطينيين من امهات لبنانية ب 31 الف شخص، هي محصلة 10,800 حالة زواج بين لبنانية وفلسطيني، ويعتبر الرقم القيمة الادنى من بين عدة دراسات واستثني منهم ايضاً حاملي الجنسية اللبنانية. واحتسبت اعداد الابناء من خلال متوسط الخصوبة (2.9) بين المجتمعين اللبنانين (2.3) والفلسطيني (3.5) وضربها بعدد حالات الزواج. تقول نايلة المصري مسؤولة ملف الجنسية في اللجنة الاهلية لمتابعة قضايا المرأة، ان "هاجس التوطين هو عثرة الاساسية تقف امام تعديل القانون، وان كتلا نيابية ترفض الفكرة تماماً، فهي من وجهة نظرهم خطوة شأنها ان تغير التركبية السكانية المستندة على الطوائف". وينتمي غالبية الفلسطينيين الى الطائفة السنية في بلد صغير يضم طوائف اساسية ونظام يعتمد النسبية بينهم. تصف نايلة تلك المخاوف ب "الوهمية"، لان اعداد المسلمين في لبنان اساساً اكثر من المسيحيين، وان هناك لبنانيات متزوجات من فلسطينيين مسيحيين وان كانت بنسبة اقل. واذا ما كان التعديل سيولد في المستقبل زواج أبيض (زواج مصلحة)، ترى نايلة ان "بالامكان وضع ضوابط عند تعديل القانون، كأن يستثى الزوج أو ان تمنح الجنسية للابناء بعد مرور عشر سنوات مثلاً". وتقود اللجنة الاهلية حالياً حملة تشمل جميع المناطق اللبنانية، من اجل اقناع اكثر من ثمانية وثمانون نائباً (ثلثي النواب) في البرلمان بتعديل القانون والمساواة بين الرجل والمرأة بما فيها الحق في منح الجنسية. فهل سيتخلى الفلسطينيون عن حق العودة في حال اكتسبوا جنسية اخرى؟ يشير الاستاذ عادل عبدالله أمين عام مؤتمر فلسطينيي أوروبا، ان الفلسطينين المقيمين هناك لم ينسوا وطنهم، بل إن اكتسابهم جنسية اجنبية اضافية ساعد في خدمة القضية الفلسطينية من خلال الأنشطة الجماهرية والرسمية التي يحيونها وتهدف الى الحفاظ على الهوية وحشد الرأي العام لدعم موقفهم. لكن عبدالله يخشى أن يأتي منح الجنسية اللبنانية للاجئيين في إطار تسوية قضيتهم على حساب حق العودة، ويدعو الفلسطينيين الى اليقظة وان لا يقبلوا بأية جنسية تقايض حقهم بالعودة او بالارض.