عندما تهبط حرارة الجو إلى ما دون الصفر يكشّر البرد عن أنيابه ليعض بعض مناطق الجسم مسبباً أذيات تكون أحياناً عنيفة للغاية لا يصلح معها أي دواء، ويبقى البتر الوسيلة العلاجية الوحيدة. وعضة البرد (تسمى أيضاً قرصة الصقيع) تعني بكل بساطة حصول تجمد في جزء من الجسم لفترة طويلة جراء التعرض للبرودة الشديدة، وإذا وصل التجمد إلى طبقات أعمق من الجلد فإنه يحدث نوعاً من التورم الفاضح، إلى درجة أنه يمكن تشبيه مسرح الجريمة بعضة حيوان مفترس، من هنا أتت تسمية عضة البرد. وتظهر بشائر عضة البرد إلى العلن عندما يتعرض الجسم لدرجات حرارة شديدة الانخفاض لفترة طويلة، ففي البداية يبعث الدماغ بإشارات إلى الأوعية الدموية المحيطية، خصوصاً إلى الأطراف، للانقباض من أجل تقليل كمية الدم المتدفقة إليها لمصلحة الأعضاء الحيوية كي يتم تزويدها بما تحتاجه من الغذاء والهواء لتمارس مهامها، وكذلك من أجل الحفاظ على درجة حرارة الجسم ثابتة. وإذا استمر تعرض الجسم لدرجات حرارة منخفضة، وفي حال استشعر الدماغ أن الجسم بات مهدداً بنزول حرارته إلى ما دون المستوى الطبيعي، فإنه يرسل برقية عاجلة إلى الأوعية الدموية لمنع رجوع الدم البارد من الأطراف إلى الأعضاء الداخلية الأمر الذي يشجع على حصول عضة البرد. وتعد الأماكن البعيدة عن مركز الجسم، التي يكون فيها تدفق الدم قليلاً، من أكثر المناطق تعرضاً لعضة الصقيع، مثل القدم واليد والأنف والأذن. وتزداد العضة سوءاً كلما تزامنت مع تعرض الجسم للرطوبة ووجود الرياح، لأن حرارة الجسم تتهاوى بسرعة في مثل هذه الظروف. وتقسم عضة البرد إلى ثلاث درجات كما الحال في الحروق، هي: - الدرجة الأولى تسمى لسعة البرد، وفيها يشكو المصاب في المكان المعرض للعضة من الوخز، والاحمرار، والخدر، والحكة، والإحساس بالبرد، والشحوب، وقد يتغير لون البشرة إلى الأبيض. - الدرجة الثانية وتسمى عضة البرد السطحية، وتشاهد في المناطق السطحية من الجلد، ويعاني الشخص المصاب من الخدر، والألم الحارق، ومن اصفرار لون البشرة أو تحوله إلى اللون الأبيض الرمادي. وقد تظهر فقاعات تغطي المنطقة عند تدفئة الجزء المصاب. وفي شكل عام لا تسبب لسعة البرد ضرراً دائماً في الجلد. - الدرجة الثالثة ويطلق عليها عضة البرد العميقة، وهنا تمتد الإصابة إلى أعماق الجلد، ويعاني المريض في هذه الدرجة من الألم، والتورم، وضعف جزئي في الإحساس يتطور لاحقاً إلى غياب كامل للإحساس، وإذا ظهرت بثور سوداء أو بداية تشكل نسيج أسود فهذا يكون دليلاً على حدوث التموت. وينتج من عضة البرد بعض المضاعفات، منها: - تشوه في أعصاب المنطقة المصابة. - تغيرات في الغضاريف بين المفاصل. - تموت أنسجة المنطقة المصابة أو الغانغرينا. ويمكن لعضة البرد أن تضرب الجميع ومن كل الفئات العمرية عند التعرض لدرجات حرارة منخفضة لفترة طويلة، خصوصاً الذين تتطلب طبيعة عملهم البقاء في الخارج تحت وطأة الأجواء الباردة، إلا أن هناك أشخاصاً أكثر عرضة لخطر عضة البرد من سواهم: 1- المصابون بالداء السكري بسبب المضاعفات التي يتركها المرض على الأعصاب والأوعية الدموية التي تجعل أطرافهم تتعرض للبرودة الشديدة من دون أن يحسوا بها كما يجب. 2- صغار السن والشيوخ. 3- الأشخاص الذين لا يرتدون ملابس ملائمة لتفادي البرد. 4- الذين تكون ملابسهم مبتلة. 5- المصابون بمرض رينو. 6- الأطفال الذين يعانون من أمراض عقلية ولا يملكون الوعي الكافي بضرورة تغطية الأجزاء المعرضة للبرد. 7- الذين يظلون أوقاتاً طويلة في الهواء الطلق وفي جو شديد البرودة، مثل الصيادين، والباعة المتجولين، والمشردين. 8- المدمنون على المشروبات الكحولية والمدخنون والمرضى الذين يتناولون أدوية معينة تتسبب في نقص التروية الدموية في الأطراف. كيف يتم علاج عضة البرد؟ يجب علاج عضة البرد على الفور ومن دون أي تأخير، حتى ولو كانت درجة الإصابة خفيفة، لأن إهمال العلاج يسمح للبرد بالتغلغل إلى عمق الجلد ما قد يفضي إلى عواقب وخيمة وربما إلى تموّت الأنسجة التي قد لا ينفع معها سوى اللجوء إلى البتر. إذا كانت عضة البرد بسيطة وسطحية فإن العلاج المنزلي يمكن أن يفي بالغرض، وأول شيء يجب القيام به هو الابتعاد عن البرد، واللجوء إلى مكان دافئ، ووضع الجزء المصاب من الجسم في الماء الفاتر وليس الماء الساخن، وهذا ينطبق طبعاً على أصابع اليدين والقدمين، أما إذا كانت الإصابة في الأذن أو الأنف فيمكن وضعها في ثياب دافئة. وحبذا لو تم إعطاء سوائل دافئة لبعث الدفء في الجسم وتحسين الحالة العامة. أما إذا كانت عضة البرد عميقة فهنا لا تفيد المعالجة المنزلية بل يجب الاتصال بالطبيب فوراً أو نقل المريض إلى أقرب مركز إسعافي كي يتلقى التدابير العلاجية المناسبة. وعلى المصابين بعضة البرد عدم اللجوء إلى بعض السلوكيات الخطرة التي تزيد الوضع تعقيداً وتتسبب في المزيد من الخراب في الأنسجة المصابة، مثل استعمال النار للتدفئة، أو حك المنطقة المصابة بعضة البرد، أو اللجوء إلى فقء الفقاعات التي تشكلت على السطح، أو إلى المشي في حال كانت العضة في القدمين. وتبقى الوقاية من عضة البرد السبيل الأفضل لمنع الإصابة بها. وترتكز بنود الوقاية في الأخذ في الاعتبار النصائح الآتية: - ارتداء الألبسة الكافية، خصوصاً القفازات والجوارب التي تؤمن التدفئة المناسبة لأصابع اليدين والقدمين، كما يجب العناية بتغطية الأذنين والوجه. ويجب تطبيق هذه النصيحة على كل الفئات العمرية، خصوصاً الأطفال. - تفادي مغادرة المنزل أو المكتب في الطقس الشديد البرودة، خصوصاً عندما يكون الجو ماطراً والرياح عاصفة. - على المرضى المصابين بالداء السكري أو بداء رينو أو بإصابات قلبية وعائية أن يأخذوا كل الاحتياطات الضرورية لتدفئة الأطراف وحماية الجسم من البرد. - تحريك اليدين والقدمين باستمرار من أجل تنشيط الدورة الدموية وإبعاد البرودة. - استبدال الأدوية التي تقلل من تدفق الدم في الأطراف بأدوية أخرى لا تملك هذا الأثر الجانبي. doctor.anwar.hotmail.com