رغم استمرار حملات التراشق الإعلامي والسياسي، حسم المسؤولون اللبنانيون قرارهم في شأنين مهمين، الأول إجراء انتخابات المجالس البلدية والاختيارية في موعدها، ابتداء من الثاني من أيار (مايو) المقبل، والثاني إقرار مجلس الوزراء في اجتماعه مساء أمس برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان آلية للتعيينات في إدارات الدولة التي تعاني شللاً كبيراً منذ سنوات. ويأتي ذلك في وقت تستكمل فيه الاستعدادات للزيارة المرتقبة لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على رأس وفد كبير دمشق، بعد زيارته اليوم إسبانيا، وبعد عودة نظيره السوري محمد ناجي عطري من زيارة الجزائر تبدأ السبت المقبل ويترأس خلالها الجانب السوري في اجتماعات اللجنة العليا السورية – الجزائرية. وإذ رجحت مصادر لبنانية أن تتم زيارة الحريري للعاصمة السورية في النصف الثاني من الشهر الجاري، أوضحت أن الحكومة اللبنانية أنجزت خلال الأسابيع الماضية مراجعة الاتفاقات اللبنانية - السورية الموقعة سابقاً، وذلك وفقاً لاتفاق الرئيس السوري بشار الأسد مع الحريري خلال زيارته السابقة دمشق، بحيث يتفق على تعديلها أو إبقائها كما هي. وذكرت المصادر أن الحريري، بعد أن جمع ملاحظات الوزارات المختصة على الاتفاقات خلال الأشهر القليلة الماضية، اجتمع الثلثاء الماضي مع المديرين العامين لهذه الوزارات والخبراء فيها من أجل درس الصيغة شبه النهائية للاتفاقات بين البلدين وفرزها بين ما يحتاج منها الى التعديل وما يتطلب التجديد وما يفترض إبقاؤه على ما هو عليه. وأوضحت أنه تبين أن هناك نحو 152 اتفاقا وبروتوكولاً ومذكرة تفاهم وملحقاً موقعة بين لبنان وسورية في الميادين كافة، بعضها انتهت مفاعيله ويتطلب التجديد بإعادة التوقيع عليه، وبعضها الآخر لم ينفذ، إضافة الى الاتفاقات التي يلزمها تعديل بموافقة الجانبين. واتفق خلال الاجتماع على أن يزور المديرون العامون في الوزارات اللبنانية ومعهم خبراء، دمشق خلال الأيام القليلة المقبلة للقاء نظرائهم السوريين وإجراء قراءة مشتركة لما توصل إليه الجانبان في مراجعتهما كل الاتفاقات، على أن يجري الحريري لاحقاً، تقويماً لنتائج البحث مع الفريق اللبناني قبل زيارته المتوقعة دمشق والتي ستشمل توقيع اتفاقات جديدة أيضاً. وأكد الرئيس سليمان في تصريحات تنشرها اليوم صحيفة «الوطن» القطرية، أن العلاقة مع سورية هي «علاقة ثقة وصداقة وتعاون واحترام متبادل» وقال إنه يتبادل الآراء دائماً مع الرئيس السوري بشار الأسد «بود وصراحة متناهية». وشدد على أن أحداً في لبنان لن يسمح بأذية «حزب الله» والمقاومة من خلال الاتفاقية الأمنية مع الولاياتالمتحدة، وقال إن «موضوع الاتفاقية خضع للطريقة الدستورية والقانونية المعتادة. وننتظر التقرير الذي سترفعه السلطة التنفيذية لنبني على الشيء مقتضاه». وقال سليمان في موضوع المحكمة الدولية الخاصة بكشف مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجرائم الاغتيال الأخرى في لبنان ومحاكمتهم «نحن لا نتدخل على الإطلاق في عمل المحكمة»، إلا أنه أضاف: «نبهنا دائماً الى رفض التسييس في أي اتجاه كان، لأن ذلك يفقدها صدقيتها ولا يؤدي تالياً الى وصولها للهدف الذي تم إنشاؤها من أجله». وفي هذه الأثناء كررت المحكمة الدولية في بيان صادر عن رئيسها القاضي أنطونيو كاسيزي نفيها «الادعاءات حول التسريبات والمناورات السياسية المسندة الى بعض كبار موظفيها»، وتأكيدها «أن هذه الادعاءات لا أساس لها «من الصحة إطلاقاً». وأكد كاسيزي أن «المعلومات حول التحقيقات الجارية غير متاحة للسيدة فاطمة العيساوي إذ إنها لا تعمل في مكتب المدعي العام». وقال: «إن هذه الادعاءات حول التسريبات وتسييس المحكمة، خصوصاً عندما تكون موجهة ضد أشخاص معينين، لا تساهم في إقامة علاقة بناءة وإيجابية بين وسائل الإعلام والمحكمة... وتعتبر المحكمة أن الهجمات التي تستهدف أشخاصاً معينين ليست للأسف إلا محاولة خطرة للتأثير في عملها وعرقلة سعيها لكشف الحقيقة». وشدد القاضي كاسيزي على أن «المحكمة ترمي الى محاكمة مرتكبي الاعتداءات وإقامة العدالة عبر إجراءات منصفة وشفافة تضمن الحقيقة وراحة البال للمتضررين ولمصالحة المجتمع اللبناني وتنوي المضي قدماً في سعيها لإظهار الحقيقة تماشياً مع أسمى معايير العدالة وبمنأى عن أي تحيز ومن دون الخضوع لأية أجندة سياسية وما من دليل على غير ذلك». على صعيد آخر وبعد 24 ساعة على تأكيد الحكومة التزامها موعد إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في الثاني من أيار المقبل، أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن هذه الانتخابات «حاصلة في موعدها». وأضاف: «إذا كانت هناك رغبة في التأجيل من غيرنا فلتتحمل الحكومة المسؤولية في إرسال مشروع قانون بذلك الى المجلس النيابي». ووضع بري بذلك سقفاً لما يمكن أن يشهده اجتماع اللجان النيابية المشتركة اليوم من نقاشات لن تسفر كما يبدو سوى عن تثبيت الموعد الذي حددته الحكومة لإجراء الانتخابات بمقتضى القانون الحالي. وشدد الوزير عدنان السيد حسين الذي رافق رئيس الجمهورية في زيارته قطر على هذا الأمر مؤكداً أن آلية التعيينات الإدارية التي ستقرها الحكومة «ستأخذ في الاعتبار مبادئ عدة، منها تعيين موظفي الفئة الأولى من داخل الملاك وعند الضرورة يستعان من خارج الملاك بنسبة ضئيلة» لا تتعدى الثلث. إلا أن كتلة نواب «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) أكدت في هذا السياق «وجوب أن تبادر الحكومة أولاً الى تنفيذ الأحكام المبرمة الصادرة عن مجلس شورى الدولة وعدم تجاوز القضاء المختص قبل المباشرة بتنفيذ آلية ملء الشواغر في الإدارات العامة». وقبيل اجتماع الحكومة عصر أمس عرض رئيسا الجمهورية والحكومة التطورات في خلوة استمرت ساعة، وأجمع وزراء لدى وصولهم الى قاعة الاجتماع على إيجابية مشروع آلية التعيينات، موضحين أن لا علاقة لها بتعيينات قوى الأمن أو القضاء أو السلك الديبلوماسي، ونقل هؤلاء عن الحريري أن إقرار الآلية هذه شرط لتفعيل عمل الحكومة، مؤكداً التزامه المناصفة في التعيينات.