ينطلق الصحافي البلجيكي رودي فرانكس، في مهمته التي كلّفه بها التلفزيون البريطاني، من منطقة فيلفوردة المكتظّة بالمهاجرين ليتحرى حقيقة انتشار التطرّف الإسلامي فيها كما تروّج وسائل إعلام غربية، والأهم إتاحة فرصة مناسبة لسكانها من المسلمين لإسماع صوتهم. يأتي هذا، بعدما طغت الأصوات المتعالية، بخاصة بعد أحداث شارلي إيبدو، على سواها، واستثمار اليمين الأوروبي المتطرف موجة الخوف التي اجتاحت القارة لتوجيه تهمة «الإرهاب» الى الإسلام والمسلمين جميعهم، من دون معاينة تلك التهم بموضوعية كما حاول الوثائقي «جهادي» فعله عبر عرض عينات واقعية لمسلمين ينبذون الإرهاب والتطرف، ولهم فهم مختلف لمبدأ الجهاد عن السائد في أذهان الناس والمترسخ بفعل ممارسات منظمات إرهابية لها أجندات سياسية خاصة. يلتقي فرانكس بمجموعة شباب مسلمين يلعبون كرة القدم بالقرب من جسر فيلفوردة، الذي تحوّل في فترة ما الى مركز اتجهت إليه أنظار العالم، وعن هذا الجانب يعلّق الشاب معاذ بسخرية: «جاءت قبل فترة، صحافية نروجية الى هنا وسألت بكل جدية عمن يدلّها على جهاديين من المنطقة لمقابلتهم!». معاذ يعمل ضمن مشروع تشرف عليه البلدية ويهدف الى تصحيح العلاقة بين المؤسسات البلجيكية والمهاجرين، إثر الاحتجاجات التي تزامنت مع إقرار البرلمان البلجيكي عام 2011، قانوناً يمنع ارتداء النقاب. «كم محجبة هنا؟ لقد بدا قانونهم كما لو أنهم يصطادون ذبابة بمدفع!». في المقابل، سمع الصحافي وجهات نظر تؤكد ذهاب شباب من المنطقة الى سورية، وتفسير ذلك هو الشعور العام عند المسلمين بالظلم مما يجري هناك وأيضاً هنا في بلجيكا، كما يؤكد معاذ نفسه أن «مجلس البلدية ارتكب أخطاء.. بعض المساجد كذلك. الأهل.. الجميع يرتكب أخطاءً، ومسؤولية إعادة الأمور الى طريقها الصحيح تقع على الجميع». تجربة إحدى المهاجرات واسمها صالحة، مؤلمة وتلقي ضوءاً على ما يجري. التحق ابنها بالمنظمات المتطرفة في سورية، وبعد مدة سمعت نبأ مقتله هناك. لم تستسلم صالحة الى القنوط والحزن، فقررت تحويل خسارتها ولدها الى فعل تمنع به خسارة بقية الأمهات أولادهن، توجهت الى منظمات وجمعيات تعمل من أجل تخفيف الآثار النفسية على الأمهات المنكوبات والعمل على قطع الطريق أمام المنظمات المتشدّدة لاستغلال الأسئلة القلقة عند الشباب لغرض كسبهم إليها، من خلال ذهابها الى المدارس وتقديم محاضرات باللغة الهولندية عن أخطار الأفكار المتشدّدة وانتشارها. في مركز «الميزان»، يقدم أحد الأطباء النفسيين جواباً عن سؤال طرحه الصحافي البلجيكي عما إذا كان سفر الشباب، بخاصة المراهقين منهم، يعود الى رغبتهم في العيش في بيئة إسلامية خالصة؟ فيؤكد له العكس لأنهم يواجهون عند وصولهم الى هناك مناخاً دموياً وعنيفاً، ليس روحانياً أبداً، في حين يوجد إمكان حقيقي بأن يمارس المسلمون طقوسهم الدينية هنا بتناغم رائع مع المجتمع البلجيكي. تجربة إمام المسجد الشيخ سليمان، البلجيكي الأصل، تعزّز هذا التصوّر، فمن خلال نشاطه في الجوامع وعمله مع منظمات إسلامية، يجد في نشر الأفكار المتسامحة فرصة كبيرة لتقديم الإسلام الحقيقي والجهاد بوصفه فعلاً للخير ومساعدة الآخرين. «بنك التغذية» واحد من أفعال الجهاد الإنساني وهدفه تقديم المساعدات الغذائية للمحتاجين، ووفق الشاب عماد فإن «المساعدة هي الجهاد والبديل الأفضل من الكلاشنيكوف. تقديم العون للمحتاجين هو جهادنا». لتعزيز الصورة الثانية للجهاد، ينتقل البرنامج الى لبنان بصحبة عماد ومجموعة من الشباب البلجيكيين المسلمين توجّهت الى هناك لتقديم المساعدة للاجئين السوريين. أراد هؤلاء الشباب تحويل الإحباط العام المتولّد بسبب ما يجري في سورية الى فعل خير، والمرارة الى فعل إنساني كما أكدت الفلسطينية الأصل روان صالح، التي ذهبت برفقة زملائها لزيارة امرأة سورية مقعدة بسبب رصاصة اخترقت رقبتها وأتلفت جهازها العصبي. ساعدوها هناك ورتبوا لها زيارة لإحدى المستشفيات البلجيكية لتكملة بقية علاجها. بعض المتطوعات وبعد معاينة الحالات الإنسانية الصعبة، تساءلن: «أليس من الأفضل للشباب تقديم المساعدة لهؤلاء المحتاجين إليهم بدلاً من الذهاب الى القتال؟».