لا شك في أن الصحافة المكتوبة تعاني أعراض أزمة حادة. وعلى شاكلة اللغة الصينية، الأزمة - وايجي - تتألف من عاملين، «واي» أو الخطر و «جي» أو الفرصة. ونحن، في صحيفة «لوموند» نرى الوجهين، ولكننا نؤثر «جي» على «واي». وغداة 64 سنة على صدور «لوموند»، ذاقت الصحيفة في أثنائها الحلو والمر، الأزمة فرصة تجدد، ودعوة الى الاحتكام الى القراء. والحق أننا منذ 2005 ابتدأنا خطواتنا على هذه الطريق. فأطرحنا، في محاولاتنا المطردة، السعي في الإحاطة بالوقائع اليومية كلها، وأقررنا بأن فيض الأخبار في عالم اليوم لا يحاط به، وبأن على الصحيفة القيام باختيار أول، أو تصفية أولى، ثم عليها اقتراح مفاتيح فهم الوقائع الجارية على القراء. وتفترض المفاتيح الوضوح، من غير شك، على قدر ما تفترض التحليل وسبر الصفحة الظاهرة والمباشرة. وعلى الصحيفة اكتشاف موضوعات جديدة، وألا تنسى متعة القراءة. وفي ضوء معايير الاختيار والنفاذ والتشخيص نطرح، منذ عدد الاثنين في 30 آذار (مارس)، على القراء بعض جديدنا. فنحن عمدنا الى «ابتكار» الصفحة الأولى ابتكاراً مختلفاً. وقلبنا الصحفة الثانية رأساً على عقب. وغدت صفحة «تحاليل» أغنى وأسهل على القراءة. والصفحات الثلاث مجتمعة أصبحت مرآة اختيارات أقوى من سابقتها وأظهرت ترتيباً للأولويات. ويجد فيها القارئ المستعجل مصدر قراءة تتيح له، في 10 دقائق، الإطلالة على المسائل الجوهرية في الوقت المنصرم بين العدد السابق من الصحيفة وبين العدد الذي يقرأه. ويجد الذين لا يفتقرون الى بعض الوقت ما لا غنى عنه من الاستطلاعات والتحقيقات والإضاءات المتعمقة. وابتكرنا للقراء الراغبين في تجاوز موسيقى الأخبار الخفيفة والطاغية صفحات «التحقيق الثاني» (أو التحقيق المضاد). وهي ثمرة عمل تحريري إرادي، وأملته صحافة السؤال، وتولت فرق صحافيين جمعوا جهودهم وخبرتهم، في فرنسا والخارج، في سبيل التصدي لموضوع راهن، وتحري حقائقه ووقائعه وراء الحادثة الماثلة والتصريحات الرسمية وصور العدسة الخادعة والاحصاءات المبهمة والغامضة. فالخبر اليومي، سياسياً أم اقتصادياً أم دولياً أم ثقافياً أم يومياً، قد يكون شديد التعقيد، غريباً، سجالياً. وتتولى صفحات «التحقيق الثاني» طرح الاسئلة التي يشترك فيها القارئ والصحافي، وصوغ اطار أجوبة جائزة. و «لوموند» صحيفة جرت على استطلاع أحوال العالم، وتتولى شبكة مراسليها تغذية صفحاتها الدولية الموثوقة. والى هذا، دخلت الصحيفة، منذ 11 عاماً، عالماً آخر هو الانترنت. وأطلت من طريق موقعها على آفاق جديدة لا تقتصر على بلوغ قراء جدد، بل تتعدى القراء الى الموضوعات. والتقريب بين الموقع وبين الصحيفة اليومية، وإضافة «لوموند ماغازين» في آخر الأسبوع، يتيحان لصحافيي الركائز الثلاث إبلاغ مضمون «لوموند» على أنحاء ووجوه كثيرة يثري بعضها بعضاً، وتتشارك خبرة البعض، ورد البعض الآخر السريع وتفاعل البعض الثالث. ودينامية التجدد تتطاول الى الموقع، والى الهواتف النقالة، وقريباً الى الآيباد. وعلى سبيل التفصيل، ينبغي أن تكون الصفحة الأولى ظاهرة للعين وبارزة، وتضطلع بترتيب الحوادث وتقديم بعضها على بعض. أن تكون دينامية، وألا تتستر على اختيار هيئة تحرير «لوموند»، أو على خير ما تقترحه الصحيفة وملحقاتها («لوموند إيكونومي» في الاقتصاد، «لوموند ديه ليفر» في الكتب، «لوموند ماغازين»، «تيلي فيزيون»...). والصفحة الاولى هي منذ اليوم موضع الافتتاحية. ولا يفتأ بلانتو يلقي منها نظرته الكاريكاتورية. والصفحة الثانية من الصحيفة، وعنوانها الجديد هو «العالم في 24 ساعة»، توجز زبدة الحوادث في اليوم المنقضي واليوم التالي بين طبعتي الصحيفة. وتلم بالناس والوقائع والأرقام والمباريات الرياضية، الى «حكاية» يرويها أحد صحافيي «لوموند». وهي باب عالم «لوموند» الخاص، وتقود القارئ الى الصفحات الداخلية والى الموقع على الشبكة. وصفحة «تحاليل» الجديدة يكتبها، كل يوم، خبراء تدعوهم الصحيفة الى إبداء رأيهم، ومعلقو الصحيفة. وهم، على التوالي، جيرار كورتوا في باب «فرنسا» يوم الثلثاء (طبعة الأربعاء)، وهيرفيه كامبف في باب «بيئة»، وساندرين بلانشار في باب «الحياة الحديثة»، وألان فراشون في باب «دوليات»، وفرنسواز فريسوز في باب «سياسة»، وبيار انطوان دولوميه في باب «اقتصاد». وتعبئ الصحيفة محرريها في «التحقيق الثاني»، بابها المستحدث الآخر، ويتولون الإجابة عن الأسئلة التي تحف بالحادثة، واقتراح مفاتيح تعليلها وفهمها على نحو يحيط بها من وجوهها. * مديرة التحرير، عن «لوموند» الفرنسية، 28-29/3/2010، إعداد وضاح شرارة