لا يشير مصطلحا «التكيّف» و «التأقلم» في مسألة تغيّر المناخ، إلا إلى مهمة مستحيلة، على عكس ما يوحي به ظاهر المصطلحين، وكذلك طُرُق ترويجهما إعلاميّاً. فبالعودة إلى التوصيف العلمي لظاهرة تفاقم الاحتباس الحراري الذي ورد في المقال آنفاً، يبدو واضحاً أن الزيادة غير الطبيعيّة في حرارة الأرض ستستمر طويلاً (ربما أكثر من مجرد طويلاً)، مع ما يرافقها من كوارث شتى. ومع «الخفض الطموح» في غازات التلوّث، سيضاف إلى الزيادة غير الطبيعيّة التي تراكمت منذ القرن التاسع عشر، مقدار يتراوح بين 2 و1.5 درجة مئويّة. في مستوياتها الحاضرة، باتت الزيادة غير الطبيعيّة في حرارة الأرض، تولّد كوارث تشمل الذوبان المستمر لثلوج القطبين المتجمّدين للأرض، وهما «ثلاجتان» طبيعيّتان تساهمان في توازن الظواهر المناخيّة في الكرة الأرضيّة. وصار ذلك التوازن مختلاً فعليّاً، كما تشهد على ذلك مجموعة من الظواهر منها زيادة وتيرة حصول الأعاصير الاستوائيّة التي تتولّد قرب قطبي الأرض. وكذلك أدّى الذوبان المستمر لثلوج القطبين إلى ارتفاع تدريجي في مستوى المسطّحات المائيّة المفتوحة كافة، خصوصاً المحيطات والبحار. وتفاعل ارتفاع حرارة القطبين مع مجموعة كبيرة من العوامل المناخيّة، خصوصاً تلك التي تحصل في الطبقات الوسطى والعليا من الجو، فساهم في توليد ظواهر التطرّف في المناخ، كالاختلال في تعاقب الفصول مع ما يرافقه من ضرر في المحاصيل الزراعيّة، وتطاول فترات الحرارة والجفاف الممهدة للتصحر، وزيادة غير طبيعيّة في مواسم الأمطار، مع ما يرافقها من انزياح وحول وانجراف تربة وإتلاف محاصيل ونفوق المواشي وغيرها. وساهمت تلك الأمور في تفاقم الهجرة من الريف إلى المدن، خصوصاً في الدول النامية، بل أحدثت ظاهرة «مهاجري المناخ» التي شكّلت جزءاً من ظاهرة المهاجرين المعاصرة، خصوصاً في العام 2015. إذاً، فحتى مع «الخفض الطموح» في الغازات، تستمر تلك الصور الكارثيّة، بل تصبح أكثر تفاقماً مع الزيادة المتوقعة في الحرارة، حتى لو بقيت ضمن 1.5 درجة مئويّة. ومع إضافة مزيد من الارتفاع غير الطبيعي في حرارة الأرض، ضمن «طموح» ال2- 1.5 درجة مئويّة، يتزايد ذوبان الثلوج المترافق مع ارتفاع مستويات البحار. ويهدّد ذلك وجود مجموعة من الجزر الصغيرة في المحيطين الهندي والهادئ، إضافة إلى إمكان غمر أراضٍ في الدول الاسكندنافيّة ودلتا النيل. (انظر «الحياة» في 29 تشرين الثاني - نوفمبر 2015).