يستضيف متحف «بيناكوتيك» الباريسي حتى نهاية آذار (مارس) 2016 معرضاً يخص الأعمال الفوتوغرافية التي أنجزها مصمم الأزياء الألماني كارل لاغرفيلد بنفسه في شكل منفصل ومستقل كلياً عن نشاطه المعروف في حقل الموضة. واختار لاغرفيلد شخصياً بين صوره العديدة تلك التي يعتبر أنها تمثله وتسلط الضوء الأفضل على هويته الفنية التي تميز منجزاته. ويحمل المعرض عنوان «كارل لاغرفيلد: رحلة بصرية». يتخلى الزائر الذي يعبر مدخل متحف «بيناكوتيك» عن كل ما شاهده وسمعه في شوارع باريس في اللحظات التي سبقت دخوله هذا المكان. فالمعرض الخاص بأعمال لاغرفيلد أحيط بجو خاص به من الناحية الحسية لا سيما البصرية، مثلما يدل عليه عنوان المعرض، ولكن أيضاً السمعية إذا أخذنا في الاعتبار المقطوعات الموسيقية وأصوات الطبيعة من أمواج وطيور وحيتان والعواصف التي تحيط بكل صورة مطروحة والتي تنسجم في شكل كلي مع اللقطة إياها. ويكمن ذكاء لاغرفيلد في كونه قد باشر شخصياً عملية تصميم الحدث أي كيفية تعليق أعماله المختارة وترتيبها والطريقة المثالية لإبراز محاسن كل صورة مقدمة ومعانيها. ويدخل العنصر الصوتي إذاً في شكل أساسي جداً في بلورة المنظر الموجود في الصورة، والطريف هو كون كل صوت لا يخص سوى صورة واحدة فقط يسمعه الزائر عندما يقف أمام هذه اللوحة المصورة وليس غيرها، فالمشوار تزينه فقاعات مغلقة يدخلها المرء ليتأملها حسياً ثم يغادرها ليدخل غيرها ويعيش تجربة مختلفة كلياً على الصعيدين المرئي والمسموع. وتتأرجح الأعمال المعلقة بين الصور التي التقطها لاغرفيلد لباريس وعواصم عالمية أخرى، وهي مدهشة بما أنها لا تشبه الصور التقليدية المأخوذة لهذه البلاد، وتترجم نظرة كارل لاغرفيلد للموضوع المصور، وهي نظرة فريدة من نوعها مغروسة بالحس الفني الذي يميز لاغرفيلد والذي يدفع به إلى اختيار مشاهد وزوايا عجيبة يصعب تصديق أنها عبارة عن مناظر موجودة في باريس مثلاً، ولكن أيضاً في لندن أو برلين وسائر المدن التي صورها الفنان. وهناك أيضاً مجموعة «بورتريه» التي تخص الصور التي التقطها لاغرفيلد لنفسه أولاً لاجئاً إلى حيلة سمحت له بتصوير حاله بلا أدنى مساعدة خارجية، ومن ثم مجموعة من اللقطات تظهر فيها شخصيات تنتمي إلى دنيا الموضة مثل عارضات الأزياء وأيضاً ممثلات سينما ونساء يعملن في مجالات فنية كانت أو اجتماعية. إلا أن المجموعة تأتي مختلفة عما يتوقعه الزائر، اذ إن الشخصيات المصورة ليست معروفة لدى الجمهور العريض على عكس المعتاد في هذه الحالات، خصوصاً أن لاغرفيلد عُرف باللجوء إلى أكبر عارضات الأزياء في عروضه الموسمية الخاصة بعلامة «شانيل» التي يباشرها فنياً، فهو الذي أطلق كلاً من كلوديا شيفر وكيت موس وسيندي كروفورد وليندا إيفنجليستا إلى فضاء نجمات عرض الأزياء. وغير المدن والطبيعة والأشخاص، يعرض لاغرفيلد صوره الخاصة بأشياء ثمينة محدّدة مثل التحف النادرة التي يكون قد عثر عليها لدى محال صغيرة في مدن صغيرة وفي قرى ريفية ألمانية أو إيطالية، وهي تماثيل ولوحات وقطع أثاث جديرة في رأي لاغرفيلد بأن تحتل مكانة في أكبر المتاحف العالمية، فراح يلتقطها بعدسته سامحاً لزوار معرضه باكتشافها. ويلعب دور الإخراج المحيط بالأعمال المقدمة في المعرض، دوراً لا يقل أهمية أبداً عن دور الصور في حد ذاتها، وإذا تأثر المشاهد بشيء فهو المشوار الكلي من أوله إلى لحظة مغادرة المتحف والعودة إلى الشارع الباريسي الأقل شاعرية مهما كان ساحراً.