تبدو الهوة واسعة بين الأحزاب السياسية والشارع في مصر، والأحزاب نفسها بما فيها الحزب الوطني الحاكم لا تنكر ذلك الأمر، وإن طرح كل حزب أسباباً للفجوة مع الجماهير، وفي حين تركز أحزاب المعارضة على أن القيود الأمنية تحول دون التحام الأحزاب الشرعية بالجماهير حيث تمنع الاجتماعات العامة والمؤتمرات الجماهيرية إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق، وتشير الى استئثار الحزب الحاكم بالسلطة واستخدامه إمكانات الدولة في دعم نفوذه خصوصاً قبل وأثناء أي انتخابات، فإن الحزب الوطني نفسه يتهم قوى المعارضة بما فيها الأحزاب الشرعية بالعمل على إثارة الجماهير واستغلال قضايا المجتمع بدون تقديم حلول للمشاكل أو عرض البديل، ويردد ايضاً أن المعارضة تلجأ إلى اصطياد الأخطاء والتركيز عليها دون تقديم حلول لقضايا الجماهير. وحين يواجه قادة أحزاب المعارضة بأسئلة تتعلق بنشاط جماعة «الإخوان المسلمين» أو حركة «كفاية» فإنهم يفسرون الأمر بأن تلك حركات تعمل خارج النظام في حين أن الأحزاب هي جزء من النظام، ما يلزمها اتباع القوانين التي تحول دون وصول الأحزاب إلى الجماهير. وعلى الجانب الآخر فإن الشارع نفسه الذي يبدو بعيداً من العمل الحزبي منقسم بين فريقين: الأول لا يتعاطى السياسة أصلاً ولا يهمه أحزاب أو قوى سياسية ويلهث وراء لقمة العيش وتدبير نفقات المعيشة وعلاج أخطاء الحكومات المتعاقبة في الأمور الحياتية وتكييف نفسه مع الأوضاع القائمة وملاحقة ارتفاع الأسعار وتأمين موارد للعلاج والتعليم والأكل والشرب ومواجهة سوء الخدمات وصعوبات الحياة، أما الفريق الثاني فأبرز رموزه «حركة 6 أبريل» التي نشأت قبل سنتين واستخدام القائمين فيها شبكة الانترنت وموقع «فيس بوك» وبرامج الفضائيات كوسائل للتعبير عن رؤاهم وأفكارهم. كانت الحركة بدأت بالدعوة إلى إضراب عام قبل سنتين للاحتجاج على ارتفاع الأسعار لقي استجابة محدودة ثم كررت الدعوة في العام الماضي ولكن الإضراب فشل. ودعا القائمون على الحركة هذا العام إلى مسيرة سلمية للاعتراض على استمرار العمل بقانون الطوارئ وحددوا السادس من نيسان (أبريل) موعداً لها، إلا أن أجهزة الأمن المصرية رفضت منحهم ترخيصاً بتنفيذ المسيرة وهو أمر كان متوقعاً. واللافت أن خط سير المسيرة كان سيمر عبر شارع القصر العيني الذي تحول جزء منه قريب من مقر مجلس الشعب (البرلمان) إلى مسرح للاحتجاج، حيث يقطن فيه المحتجون لأسباب مختلفة غالبها يحمل مطالب فئوية (رفع الأجور أو الحصول على حوافز ومزايا مادية أو علاج قضية البطالة). وبات هؤلاء المحتجون، الذين كلما أخلى بعضهم مكاناً بعد تحقيق مطالبه أو وصوله إلى مراحل اليأس، احتله آخرون لهم مطالب مشابهة، مادة خصبة لبرامج الفضائيات دون أن يلمحوا إلى مطالب سياسية أو إصلاح سياسي. وهكذا يترسخ مشهد التناقض بين الأحزاب السياسية الرسمية وبين الشارع الذي يحتج على ارتفاع الأسعار ويطالب بالوظائف أو العلاج في الوقت الذي ينشغل فيه سياسيو الأحزاب بالانتخابات البرلمانية أو حتى الإصلاح السياسي. ويقول زعماء الأحزاب المصرية إن سلبية المواطن وانسحابه سبب في استفحال معاناته وأن أول خطوة لحل مشاكله الحياتية تكون بالالتحاق بالأحزاب والمشاركة في العمل السياسي. والمواطن في المقابل لا وقت لديه للسياسة. أما أبناء الجيل الجديد فلديهم رؤاهم ووسائلهم المختلفة، ينادون بالإصلاح ولا يأملون في الأحزاب خيراً، ولذلك فضلوا العمل بعيداً من الأحزاب أو حتى القوى السياسية الأخرى ذات التاريخ. وباتت حركة «6 أبريل» وآخرون من الشباب ينشطون عبر مواقع الانترنت على قناعة بأن الأحزاب القائمة كلها سبب في الوصول بالبلد إلى هذا الحال وأن لا فارق كبير بين حزب حاكم وأحزاب معارضة أو حتى قوى معارضة قديمة تعارض الجميع.