لم تشهد العلاقات الأميركية - الإسرائيلية توتراً في تاريخها مثلما شهدته خلال الأسابيع الماضية، إذ وصل التوتر بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل إلى حد لم يكن له مثيل، إلا التوتر الذي حصل بين بوش الأب ورئيس الوزراء الإسرائيلي عام 1991 إسحاق شامير، وكذلك التوتر الذي نشب بين أيزنهاور وبن غوريون عام 1956، ليجعل من العلاقات الأميركية - الإسرائيلية موضوعاً للنقاش والتحليل في وسائل الإعلام، لمعرفة أي مدى سيصل إليه هذا التوتر الناشب الآن، والذي لم تخففه زيارة نتانياهو ولقاؤه مع أوباما وبقية المسؤولين الأميركيين. والسؤال المطروح هو: ما الأسباب التي أدت إلى التوتر بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء نتانياهو في هذه الفترة؟ نعتقد أن بذور الخلاف والتوتر بين الرجلين هي موجودة منذ البداية، ومنذ أن ظهرت بوادر فوز باراك أوباما بالرئاسة، إذ يحمل الرجلان توجهين مختلفين تماماً في السياسة الخارجية، فأوباما جاء إلى الرئاسة بفكر وتوجّه جديد للولايات المتحدة يعتمد على الحوار والديبلوماسية بين الدول، وتفعيل دور المؤسسات الدولية كالأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي في العلاقات الدولية وحل النزاعات، فرضه عليه وضع الولاياتالمتحدة الأميركية وصورتها النمطية بين الشعوب والدول، فيما جاء نتانياهو على رأس حكومة يمينية متطرفة، تريد إفشال أي مخطط للسلام في المنطقة، ولو فرضته الولاياتالمتحدة الأميركية حليفتها الرئيسية وراعيتها منذ وجودها وحتى اليوم. فمنذ تشكيل لجنة بيكر هاملتون عام 2006، وخروجه بتوصيات تحث أميركيا لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية إدراكاً منه للمصالح الأميركية على المدى البعيد والقصير، إذ نصّ البند السابع عشر من توصياتها على «في ما يخص القضية الفلسطينية، يجب التمسك بقراري مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام، باعتبارها الأساس الوحيد لتحقيق السلام، وتقديم دعم قوي للرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية لأخذ زمام المبادرة في تمهيد الطريق لإجراء مفاوضات مع إسرائيل، وبذل جهد كبير في دعم وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعقد مفاوضات تعالج قضايا الوضع النهائي الخاصة بالحدود والمستوطنات والقدس وحق العودة ونهاية الصراع». إن الاختلاف في الرؤية نحو السلام بين إسرائيل والولاياتالمتحدة الأميركية بدأ يتضح جلياً منذ وصول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض، إذ يؤمن الرئيس الأميركي بأن من مصلحة الولاياتالمتحدة الأميركية حل قضية الشعب الفلسطيني من خلال حل الدوليتين، إسرائيل ودولة فلسطينية قابلة للعيش، فيما يرى نتانياهو أن الحل هو في إيجاد سلطة فلسطينية لا تملك السيادة لا على أرضها وعلى على سمائها، حكومة ذاتية فقط لإدارة الأمور الداخلية الأمنية بما يحفظ أمن إسرائيل، وكذلك تقوم الرؤية الإسرائيلية على تقطيع الأراضي الفلسطينية ومصادرة الأجزاء الحيوية منها، والسيطرة على مصادر المياه، ما يجعل قيام دولة فلسطينية مستحيلاً. ومن هنا نجد التباين الواضح في الرؤيتين، وهو ما حذّرت منه تسيبي ليفني عام 2009 في أثناء حملتها الانتخابية بأن نتانياهو سيقود إسرائيل إلى «شرخ محتوم مع الولاياتالمتحدة». والسؤال الآخر المطروح هو: هل تملك إدارة أوباما الرصيد السياسي لدفع إسرائيل إلى قبول السلام؟ نعتقد أن الجواب هو نعم إذا استمر الرئيس بضغطه على الجانب الإسرائيلي، وتشديد المواقف تجاه إسرائيل حتى ولو تغيرت الحكومة ودعا الرئيس الإسرائيلي إلى انتخابات تشريعية مبكرة، لغرض تضييع الوقت والدخول في فترة فراغ حتى يتم تشكيل حكومة جديدة، تستطيع التعامل مع الوضع الراهن. الولاياتالمتحدة الأميركية تملك عدداً من أوراق الضغط القوية والمؤثرة في حال استخدمتها ضد إسرائيل، منها الاقتصادية والسياسية وكذلك العسكرية، إذ كانت وما زالت تتمتع إسرائيل بكل أنواع الدعم الأميركي، خصوصاً السياسي في الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي. خسرت إدارة أوباما الجولة الأولى أمام نتانياهو، ونفترض أنها لن تخسر الجولة الثانية، إذ أثبت الرئيس أوباما أنه قوي جداً ومصرٌّ على موقفه، على رغم توقيت زيارة نتانياهو، أثناء انشغال الرأي العام بتوقيع إصلاحات التأمين الصحي الذي اعتبره العديد أنه انتصار لأوباما، في الوقت الذي عجزت هيلاري كلينتون عن تمريره أثناء فترة رئاسة زوجها بيل كلينتون، اعتقاداً منه أن قانون التأمين الصحي سيجعل من أوباما مهادناً له كسباً لبعض الأصوات في الجانبين الجمهوري والديموقراطي المؤيدة لإسرائيل. كما أن اختيار الوقت للتصعيد مع الولاياتالمتحدة قبل فترة انتخابات الكونغرس النصفية التي تعتبر مهمة للحزبين في تعزيز مواقعهما في الكونغرس، ويبدو ظاهراً أن الرئيس الأميركي لم يهادن نتانياهو على المستوطنات، وركز على المصلحة الأميركية في إقرار السلام في المنطقة. أعتقد أن التوتر بين الجانبين لن ينتهي بسهولة، ولكن ستكون هناك تطورات إسرائيلية داخلية منها احتمال انهيار الائتلاف بين نتانياهو وكل من ليبرمان وحزب شاس الديني، أو محاولة من إسرائيل لتصعيد الموقف عسكرياً في لبنان أو غزة أو إيران، على رغم أننا نستبعده مع الأخيرة لعوامل كثيرة لا يتسع المجال للحديث عنها. المطلوب من الدول العربية في ظل التوتر الحاصل بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل أن ترفع سقف مطالبها تجاه عملية السلام لمواجهة التعنت الإسرائيلي، خصوصاً بعد قرارها بناء 1600 مستوطنة في القدسالشرقية، وهو ما يجعل السلام مستحيلاً في ظل هذا التصعيد الإسرائيلي، ما يجعل التصعيد العربي واتخاذ قرارات حاسمة في ما يتعلق بالقدس أمراً حتمياً ومطلوباً. نعتقد أن حكومة نتانياهو بتحديها للولايات المتحدة ، في رفض عملية السلام من خلال وضع العراقيل والعوائق تجاه قيام دولة فلسطينية تستطيع العيش، إنما تكشف عن النوايا والرؤى التي ترفض السلام والعيش إلى جانب دولة فلسطينية ذات سيادة، كما أظهرت كذلك مدى عنصريتها وتطرفها السياسي، وعدم مراعاتها للمصالح الأميركية التي تتطلب استقرار المنطقة وحل المشكلة الفلسطينية كمنطلق لاستقرار المنطقة. * أكاديمي سعودي.