اذا أردت أن توافق المرأة على أمر ما، عليك بمعارضته، على ما يقول المثل، لهذا عندما يطالب بعض الرجال بإعطاء الحقوق للمرأة، فهم يعتمدون هذا المبدأ، لأن المرأة هنا تصير ضد حقوقها. لكن التعميم لا يستوي هنا، خصوصاً أن نساء كثيرات لا يعبأن بسيمفونية المطالبة بحقوق المرأة، والتي تعزفها اوركسترا الجمعيات النسوية، التي غالباً ما يكون دورها اقامة الولائم والصبحيات وأكل الكرواسون، والكثير من الثرثرة التي لا طائل منها، سوى جمع بعض الأموال، التي تدفع على الحملات الإعلانية للمطالبة بحقوق تتراوح بين الكوتا النسائية في السياسة، ومكافحة العنف ضد المرأة. وواقع الحال أن هذين المطلبين يتشابهان، بمعنى أن القبول بكوتا نسائية في الانتخابات البلدية اللبنانية مثلاً، يعادل في نتائجه نتائج العنف ضد المرأة، أي أنه يترك كدمات وآثار جروح على كيان المرأة المهدد بالتحديد والتأطير، فكما يسجن الرجل زوجته في المطبخ لتطبخ وتغسل الصحون، يسجن المشرّع اللبناني المرأة في مطبخ الكوتا النسائية. والغريب أن بعض النساء يفتخر بانتزاع المرأة اللبنانية نسبة عشرين في المئة من المشاركة في مقاعد المجلس البلدي. هلّلويا. لكن بعض النساء لا يعبأ بهذا كله. المرأة هي كائن بذاته، لها خصوصياتها، ولا تجوز مقارنتها بالرجل. هذه النظرية تبدو أكثر إقناعاً لدى الحديث عن حقوق المرأة. فالمساواة يمكن أن تكون بالقوانين والأنظمة والتشريعات، لكن ذلك لا يمكن أن يجعل المرأة تتساوى في الميزان مع الرجل. قد تكون كفة الميزان لصالح المرأة في عدم المساواة هنا، لكن الكفتين لن تكونا على مستوى واحد أبداً، لأنه متى بدأت المرأة بانتزاع ما تطالب به، يأتي دور الرجل ليعدّل الكفة، وبالتالي لن يتوصل الصراع بين الرجل والمرأة إلى نهايات سعيدة، لأن نهايات كهذه، تكون غالباً بالتعادل الذي يعني في حال صراع ذئبين على البقاء مثلاً، أن يلتهم كل واحد منهما الآخر، وبالتالي لا يتبقى منهما شيء، وهذا طبعاً ضرب من المستحيل. فالحديث عن يوم عالميّ للمرأة يستدعي، والحال هذه، سؤالاً موضوعياً، عن سبب غياب يوم عالميّ للرجل. والسؤال عن المساواة بين المرأة والرجل، يستدعي السؤال عن أحوال الرجال، وحقوقهم بطبيعة الحال. ولا ضير هنا من التمييز في الحديث عن التمييز بين امرأة ورجل. فالتمييز حاصل لا محال، خصوصاً أن النقاط المشتركة بين الرجال والنساء ليست كثيرة. فالرجال من كوكب مارس، والنساء من كوكب فينوس، على ما جاء في عنوان كتاب لجون غراي. غير أن المسألة لا ترتبط بالمصدر. نحن الآن، رجالاً ونساءً، على كوكب الأرض، والإختلاط حاصل لا محال، اللهم إلا في بعض الثقافات ولدى بعض الجماعات التي تفصل بين الجنسين. بهذا المعنى، لا يجوز الحديث عن التمييز إلا خارج نطاق هذا الإختلاط، أي حينما يعزل الرجال نساءهم، أما في مواضع الإختلاط، والصراع على الحياة، فهنا يحضر الحديث عن التمييز عموماً من دون التمييز بين الجنسين. فكثير من النساء قوامات على رجالهن، وكثير من الرجال قوامون على نسائهم، وكثير من الرجال قوامون على رجال آخرين، ونساء كثيرات قوّامات على نساء أخريات. يختلط حابل النساء بنابل الرجال والعكس بالعكس. وحينما يتم الحديث عن عنف ضد المرأة، يحضر بقوة الحديث عن عنف ضد الرجل في المجتمعات الغربية كما في المجتمعات الشرقية. في الشرق لا يفصح الرجال عن تعرضهم للتعنيف لأن التقاليد الإجتماعية صارمة في هذا المجال. حتى النساء المعنّفات بالكاد تتجرأن على التصريح بتعرضهن للتعنيف في مجتمعاتنا، ولولا بعض الجمعيات التي تقدم الحماية لهن، لما سمعنا بمآسيهن. على كل حال، كاتب هذه السطور مؤمن بعدم جواز الحديث عن مساواة بين الجنسين. وهو ميال أكثر إلى الإعتقاد أن هذا الحديث، إنما يشير إلى عقدة نقص، تترجم غالباً في بعض الأدب المكتوب من بعض النساء على غرار ما تكتبه احلام مستغانمي، التي تبني صرحها الأدبيّ من خيال العداء الأعمى للرجال بوصفهم مخلوقات عنيفة. لكن هذا الصرح يهوي على وقع صوت أم كلثوم على أقلّ تقدير، حينما تعلن «الست»: «بعيد عنك حياتي عذاب». فالأدب النسوي، المختص بالثرثرة حول المرأة وأحوالها، بمعزل عن قضايا كثيرة، من بينها الرجل وأحواله، يغرق في الإدعاء، ويقلب الحديث عن مساواة إلى غلبة على الطرف الآخر، ليصير مغلوباً على أمره، والرجل مغلوب على أمره، لكن معظم الناس لا يعلمون. والمرأة، عدوّة الرجل، لأنها تجهله. والعكس ايضاً صحيح. فمعظم النساء، الشرقيات منهن والغربيات، يلعبن دور المغلوب على أمرهن، ولكنهن غالبات على أمرهن، أو انهن يحببن الخضوع في احوال كثيرة. لسنا هنا في معرض التعميم، وإطلاق الأحكام، لكن للرجل أن يقول كلمته في مناسبات المرأة، تكون كلمة سواء، خارجة عن الخطاب التنظيري والمطلبي الأجوف بضرورة المساواة. على الرجل ألا يخدع المرأة بالتضامن الأعمى مع مطالبها، التي تستهدفه غالباً، وتتغاضى عن اخطاء النساء عموماً. لأن المرأة في طبعها لا تصمت في الحديث عن المرأة. وحديثها هذا، يكون دائماً ضد المرأة، أي في معايرتها، في صالح الرجل. وهنا يجوز الترّحم على فريديريك نيتشه الذي أعلن ذات يوم: «من يطالب بأن تصمت المرأة في المرأة هو صديق حقيقي للنساء». * صحافي لبناني