أسفرت القمة العربية في سرت عن الاتفاق على إحالة موضوعي «رابطة الجوار العربي» وإصلاح النظام العربي الرسمي على قمة استثنائية تعقد قبل تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، يسبقها اجتماع لوزراء الخارجية العرب لبحث مقترحات من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ولجنة خماسية تضم قادة ليبيا وقطر والعراق واليمن ومصر بعدما كان المقترح الأول أن تكون قطرية - ليبية - يمنية لبحث مقترحات تطوير عمل الجامعة العربية. ليست المرة الأولى التي يسعى فيها موسى وبعض الدول إطلاق حوار عربي - إيراني. سبق وأن طرح هذا الموضوع في «جلسة العصف الفكري» في قمة الدوحة العام الماضي، وكانت الخلاصة عدم إطلاق الأمر في شكل جدي باعتبار أن الدول العربية ليست في «حالة عداء» مع إيران وأن «العدو الأول يجب أن يبقى إسرائيل وضرورة عدم تصنيع عدو بديل». غير أن قمة سرت، دخلت الى الموضوع من زاوية أخرى. ترتبط هذه الزاوية من اقتراح موسى إقامة «رابطة الجوار الإقليمي» تيمناً ب «سياسة الجوار الأوروبي» التي يطبقها الاتحاد الأوروبي مع دول جنوب البحر الأبيض المتوسط وبربطه مباشرة بإصلاح النظام الرسمي العربي. بدأ الحديث عن الحوار مع طهران و «رابطة الجوار» مع دول آسيوية وأفريقية وأوروبية في الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه الأمين العام لجامعة الدول العربية، مقترحاً البدء بتركيا لتشكل «النواة لأولى لهذا التجمع مع دول الجامعة العربية» ثم دعوة تشاد لذلك لأن «دستورها ينص على أن اللغة العربية لغة رسمية لها» على أن ينظر بأمر «الدول الأخرى» على أساس «قاعدة توافق آراء الدول الأعضاء في الجامعة العربية». وخاطب موسى القادة العرب: «إذا وافقتم اقترح أن يجتمع مجلس وزراء الخارجية في اجتماع خاص لوضع هذه المبادرة موضع التنفيذ، وسيكون قراركم في هذا الشأن قراراً تاريخياً يغير من طبيعة الحركة الإقليمية ويسهم في ترشيدها وتفعيلها». أما في ما يتعلق بإيران، فان الأمر في حاجة الى «توضيح واجب» بحسب موسى، قائلاً: «الأمر يتطلب أكثر من أي وقت مضى أن نقترح إطلاق حوار عربي- إيراني للنظر في معالجة القضايا العالقة». وطلب أن يكلف به الأمين العام «في مرحلته الأولى، للاتفاق على جدول أعمال لهذا الحوار». وزاد: «أعلم وأتفهم مدى قلق البعض منا إزاء عدد من المواقف الإيرانية، إلا أن هذا لا ينفي، بل ربما يؤكد ضرورة الحوار كمرحلة أساسية في تحديد العلاقات المستقبلة مع إيران التي نختلف معها في عدد من القضايا. لكنها تشاركنا في الجغرافيا والتاريخ ولنا معها مصالح مشتركة عدة». وختم إن نتائج الحوار «ستبلور خطوات دعوة إيران للمشاركة في الرابطة الإقليمية» على اعتبار أن الحوار «ضروري مع من نختلف معهم» على أساس الإفادة أيضاً من «التجربة الغربية» باعتبار أن «الكل يعلم حدة الخلافات بين الدول الغربيةوإيران، هذا لم يمنعهم من الحوار واستمرار الحوار، فماذا يمنعنا»؟ نظراً لحساسية الأمرين (إصلاح الجامعة ورابطة الجوار) أدرجا ضمن برنامج الجلسات المغلقة بين القادة العرب في اجتماعهم مساء اليوم الأول للقمة. وكشفت مصادر ديبلوماسية عربية ل «الحياة» في سرت أن الأمانة العامة وزعت مشروع قرار لإصداره في اختتام القمة جاء فيه أن القادة يقررون «الدعوة الى تشكيل رابطة إقليمية تربط الدول الإقليمية الصديقة ودول الجامعة تدعى «رابطة الجوار العربي» تتأسس على سياسة جوار عربية تقوم على تعظيم المصالح المشتركة وتحقيق الأمن لمجمل دول الرابطة والعمل على تبني سياسة تنمية شاملة فيها» بحيث تضم هذه الرابطة «مختلف الدول المحيطة بالعالم العربي في آسيا وأفريقيا وتتشكل بناء على دعوة من جامعة الدول العربية توجه الى كل من هذه الدول واحدة بعد الأخرى». ويقترح مشروع القرار، الذي حصلت «الحياة» على نصه بعد توزيعه في كبار ممثلي الدول العربية، توجيه «الدعوة الأولى الى الجمهورية التركية وتوجه الدعوة الثانية في الوقت نفسه، الى جمهورية تشاد بحيث تتشكل فور قبولهما أو إحداهما «رابطة الجوار العربي». كما يؤكد أن «يكون قبول الدول الأخرى التي تنطبق عليها شروط الحوار على أساس توافق آراء الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية على ضم كل منها، وذلك في مجلس الوزراء الذي يمكن أن يعقد اجتماعاً أو اجتماعات غير عادية إذا استلزم الأمر لاستكمال التشكيل». ويقترح مشروع القرار عقد مجلس الوزراء العربي دورة خاصة قبل أيلول (سبتمبر) المقبل لاطلاق «الرابطة» بحيث يحدد المدعوين للانضمام «مسترشدين» من قائمة تضم تركيا وإيران من آسيا والسنغال ومالي وغينيا والنيجر وتشاد وإثيوبيا وأريتريا وكينيا وأوغندا من أفريقيا وكلاً من اسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص ومالطا من الكتلة الأوروبية. كما يرى المشروع «اقتراح دولتين أو أكثر إضافة الى بلدان أخرى بحيث يكون القبول على أساس «التوافق» بين الدول العربية. وكانت الأمانة العامة وزعت على أعضاء الوفود «مذكرات شارحة» لخلفية مسودات القرارات المقترحة، وبحسب النصوص التي حصلت عليها «الحياة» فان الخطوة الأولى ل «الرابطة» ستكون مع تركيا التي ترتبط مع العرب ب «منتدى الحوار» قطع أشواطاً في تعزيز التعاون، ذلك أن المعلومات المتوافرة تفيد أن الاجتماع العربي - التركي الذي عقد في دمشق نهاية العام الماضي أسفر عن الاتفاق على عقد ثلاث ندوات تتعلق ب «الأمن الإقليمي» في سورية وب «الثقافة والتعليم» في تركيا و «الأمن الغذائي» في السودان. كما جرى الاتفاق على عقد اجتماع وزاري عربي - تركي في إسطنبول في حزيران (يونيو) المقبل يضم وزراء الخارجية والسياسية والاقتصاد والتجارة ورجال الأعمال، بحيث تكون المشاركة من خارج إطار الترويكا (الرئاسة العربية والمجلس الوزاري) لتضم العراق و «من يرغب» من الدول. ولا شك في أن سياسة أنقرة تلقى قبولاً كبيراً في العالم العربي. كما أن تركيز رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في خطابه أمام جلسة افتتاح القمة على أن «القدس قرة عين المسلمين» وأن «أمن إسطنبول من أمن القدس» وأن احتراق الأقصى أو «المس» به يهدد ب «احتراق الشرق الأوسط والعالم» قبول بترحيب كبير في أروقة القمة والأوساط الشعبية. وضم ذلك الى لائحة المواقف التاريخية التي اتخذها رئيس الوزراء التركي وحكومته في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. غير أن النقاش المتعلق بمبدأ تأسيس الرابطة أوسع من ذلك بكثير: هل البيت العربي في وضع يسمح له بالانطلاق الى أبعد؟. لذلك الأولوية يجب أن تعطى لقواسم مشتركة تتفق عليها الدول العربية وتطرح على الأطراف الأخرى إقليمياً، لذلك هناك حاجة الى درس آلية واضحة وهدف واضح. ثالثاً، لا بد من التأكد واختبار ما إذا كانت الدول الأخرى لديها رغبة في ذلك. أما في ما يتعلق بإيران ووضع جدول أعمال للحوار العربي معها، فإن الموضوع شديد الحساسية. حيث هناك اعتراض على إجراء حوار كهذا لأسباب مختلفة. وتفيد المعلومات أن سورية اعترضت عليه. إذ في مقابل، الاعتقاد أن «الحوار سبيل وحيد وصحيح لحل المشاكل»، هناك تحذير من أن طرح مبدأ الحوار مع إيران وفق ما جاء في القمة سواء علنياً أم في الجلسات المغلقة، يوحي وكأن إيران «مشكلة حقيقية في المنطقة وهذا يناقض الواقع». عليه، فان المقاربة السورية تقوم على التأكيد أن إيران «لا تقف على الطرف النقيض من الموقف العربي، بل دور إيران مكمل للدور العربي» وانه باستطاعة إيران والدول العربية «العمل معاً لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وتجاوز الخلافات والوقوف في وجه ما تتعرض له من مخططات إسرائيلية»، إضافة إلى ذلك فان الجانب السوري يؤكد أن إيران «دولة صديقة وحليفة لدول المنطقة وتاريخها يشهد بذلك. فإيران أقامت سفارة فلسطينية مكان السفارة الإسرائيلية مع انطلاق الثورة الإسلامية (في عام 1979) ووقفت دائماً مع الحقوق العربية وفي مقدمها القضية الفلسطينية». لا شك في أن اقتراح موسى إطلاق حوار عربي - إيراني انطلق من رغبة أصيلة في تعزيز الموقف العربي إقليمياً مربوطاً بهم لإصلاح النظام العربي. غير أن توقيت هذا الطرح يحمل في طياته محاذير لأن إسرائيل تسعى مع بعض القوى الى «استبدال العدو الحقيقي بعدو وهمي عبر تقديم إيران على أنها الخطر الأكبر والأوحد للعرب، فيما تواصل إسرائيل ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين والاستمرار في سياستها العنصرية والتوسعية وتهويد القدس» في وقت «ليس هناك تناقض حقيقي بين مواقف إيران ومواقف الدول العربية في ما يتعلق بالقضايا العربية المصيرية»، من دون أن يعني ذلك عدم إمكانية قيام حوار ثنائي بين أي دول عربية وإيران سواء في شكل مباشر أو بدعم من دول عربية تقيم علاقة جيدة مع طهران. وقالت مصادر: «إن موقف سورية الحقيقي هو التركيز على العدو الحقيقي للعرب ولدول المنطقة والذي هو من دون أدنى شك إسرائيل. بالتالي يجب عدم إضاعة المزيد من الجهود والوقت على علاقات مع دولة وقفت وستقف دائماً إلى جانب الحق العربي». وفق «إعلان سرت»، فان إصلاح الجامعة العربية سيكون على جدول أعمال القمة الاستثنائية المقبلة ل «تحديث» الجامعة لأنها «الأداة الرئيسية» للعمل العربي المشترك على أساس مبادرة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لإقامة «اتحاد الدول العربية» ومقترحات العقيد معمر القذافي لإنشاء «الاتحاد العربي»، بحيث يقوم الرئيسان مع الرئيسين المصري حسني مبارك والعراقي جلال طالباني (هل سيبقى رئيس العراق بموجب نتائج الانتخابات) وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني وموسى بإعداد «وثيقة تطوير منظومة العمل العربي» بالتشاور مع بقية القادة العرب لعرضها على القمة الاستثنائية قبل تشرين الأول المقبل. كما تضمنت النسخة الليبية من «إعلان سرت» موافقة القادة على عقد قمة استثنائية مداورة بين مقر الأمانة العامة ودولة الرئاسة. وبدا أن هناك ربطاً مباشراً بين تطوير النظام العربي والحوار الإقليمي أمر منطقي وضروري، غير أن ذلك قد يؤدي الى جدل عربي-عربي وتغيير الأولويات. إذ من الخطأ أن يكون إجراء حوار عربي - إيراني شرطاً لإصلاح الحال العربي كي لا يفتح المجال لمقايضات سياسية. إذ الأولوية يجب أن تعطى لبحث مقترحات تطوير العمل العربي المشترك تنطلق من التزام قرار القمة مقترح سورية «إدارة الخلافات» وفق مبادئ تشمل «عدم اللجوء إلى تقليص أو تجميد العلاقات الثنائية» أو «أي نوع من الحملات الإعلامية الموجهة» و «الالتزام بإبقاء الخلافات العربية داخل العائلة العربية» و «تعزيز روح الالتزام بميثاق جامعة الدول العربية» و «تكريس لغة الحوار في العلاقات العربية مهما بلغت درجة الاختلافات». المفيد أن تبدأ عملية «ترسم الحدود» مع الجوار ب «خريطة طريق» عربية وبتعميق المصالحات وإصلاح البيت العربي للانطلاق الى الفضاء الإقليمي بحيث يكون تعريف الذات منطلقاً من المصالح العربية وليس مرتبطاً بالآخر سواء كان أوروبياً أم إقليمياً. ليس خياراً صحيحاً الاكتفاء ب «جلد الذات» والبحث عن «رابطة إقليمية» مع الجوار بديلة ولا الهروب من جوهر المشكلة الى بدائل تعزز الاختراق الخارجي. * صحافي من أسرة «الحياة» - سرت.