من الشائع أن نسمع قصصاً عن بطولات مصاحبة للأحداث الفظيعة المشابهة لهجمات باريس الأخيرة. فما الذي يجعل بعض الناس يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين؟ كان يفترض أن يستمتع لودوفيكو بومباس بوليمة هادئة في حفل عيد ميلاد صديقه عندما بدأ إطلاق الرصاص في مطعم "بيل ايكيب" في اعتداءات باريس يوم الجمعة. وكان بإمكانه أن يختبئ بين الجموع متوارياً في خوف، لكنه عندما رأى مسلحاً يطلق الرصاص على امرأة قريبة منه تغلبت غريزة مختلفة عليه غير تلك المتعلقة بالبحث عن الأمان والاختباء وتفضيل سلامة حياته، وقال أصدقاء له إنه تصدى للرصاص بجسده لإنقاذ حياة السيدة، مضحياً بحياته. وتشير الدراسات التي أجراها راند في السابق والتي ركزت على سؤال أكثر عمقاً: هل نحن مجبولون على الأنانية أم على الإيثار، وإحدى الأفكار كانت تقول إن رد فعلنا التلقائي لأي حدث يقع بهدف الحصول على ما نستطيع لأنفسنا، وأننا نظهر سلوكاً حميداً فقط عندما نتأكد من أن ذلك سيعود علينا بالنفع لاحقاً. وبحسب علماء النفس لكي يكون الإنسان جيداً فهو يحتاج إلى جهد مقصود للتخلص من نزعاته السلبية السيئة. لكن راند توصل في تجاربه المخبرية إلى العكس، فكلما كان الوقت محدوداً أمام الشخص ليتصرف، كلما اتسم سلوكه بالإيثار. فعلى سبيل المثال، طلب الباحث من المشاركين القيام بألعاب بسيطة في مقابل الحصول على المال، فوجد أنهم أكثر ميلاً لتقاسم المال مع اللاعبين الآخرين إذا طلب منهم الإسراع، إذ إنهم يتصرفون بطريقة تلقائية غريزية وليس بطريقة تحليلية. وكشف أنه عندما طلب من أشخاص أن يتذكروا رقماً ما أثناء ممارستهم اللعب للضغط على حالتهم الإدراكية، جعلهم ذلك أكثر سخاء. وهذا يتماشى مع فكرة أن الانسان يتصرف بما يفيده في الأمد البعيد، فمن المرجح أن يحصد الناس المتعاونون نتائج ما يزرعون من سلوك حسن في المستقبل، لهذا فربما نكون تعلمنا أن من يقدم المعروف لا يجد إلا المعروف. ونقلت "بي بي سي" عن راند قوله ان "رجلاً يدعى داري ستارنز يبلغ من العمر 70 سنة، اقتحم سيارة تشتعل فيها النيران لإنقاذ امرأة بداخلها، وقال في ما بعد انه فعل ما شعر أن عليه القيام به، من دون التفكير في الثناء أو المقابل". وشرح راند أن للدماغ حالتين، التفكير البطيء والسريع، موضحاً أن الأول هو تفكير واع ومنطقي ويحلل الأمور، بينما التفكير السريع هو القبطان التلقائي المبني على التعود على شيء ما، ويؤدي إلى التصرف في شكل لحظي وسريع. وعلى رغم أن البطولة تبدو وكأنها جاءت بلا مقدمات، إلا أن الباحث يعتقد أن هؤلاء الأشخاص كانوا يمارسون الإيثار عن وعي طوال حياتهم، ما جعل هذه الصفة جزءاً من شخصيتهم. لذا، فان مساعدة الآخرين جاء من التفكير السريع التلقائي لأدمغتهم، مصحوباً باندفاع عام ودرجة عالية من التعاطف. والنتيجة هي أنه عندما يواجه هؤلاء أزمة ما، فإن هذا التفكير السريع هو الذي يسيطر على عقولهم، ويقودهم إلى التصرف بإيثار قبل أن يتسلل إليهم التردد. وأفادت "بي بي سي" أن من المهم التعلم من هذه التصرفات الحميدة، إذ أشار راند إلى أنه "إذا تعودت نفسك على مساعدة الآخرين، فسوف يصبح ذلك هو الوضع الافتراضي لعقليتك، وستتصرف بالطريقة نفسها في مواقف أخرى. أي أنك تغرس وتزرع عادات الفضيلة لديك".