نبه رئيس الهيئة التنفيذية ل «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى ان «اكبر خدمة نقدّمها لأعداء لبنان، وفي مقدمهم اسرائيل، تغييب الدولة»، مشدداً على أن «الدولة اليوم مغيبة عن كثير مما يجري حالياً على اراضيها في المجالات العسكرية والأمنية»، واكد «أن حماية لبنان لا تقوم على مصادرة فريق من اللبنانيين قرار الدفاع عن لبنان، واستبعاد الدولة اللبنانية والآخرين عنه». وكان جعجع يتحدث في المهرجان الذي اقامته «القوات» امس احياء للذكرى السادسة عشرة لحل الحزب (في 23 آذار 1994)، تحت شعار «التاريخ لا يهمل والغد لا ينتظر»، وحضره في مجمع «بيال» في بيروت، ممثلون عن رئيس الجمهورية الوزير ابراهيم نجار، ورئيس المجلس النيابي النائب روبير فاضل، ورئيس الحكومة الوزير حسن منيمنة، الى جانب الرئيس أمين الجميل، ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، وزير العمل بطرس حرب، وزير الدولة ميشال فرعون، قائد الجيش العماد جان قهوجي ممثلا بالعقيد خليل يحيي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي ممثلا بالعميد بهيج وطفا، ونواب كتل «المستقبل» و «القوات» و «الكتائب». كما حضر كل من الوزيرة السابقة نايلة معوض، والنائب السابقة صولانج الجميل، والمنسق العام ل «قوى 14 آذار» فارس سعيد، واعضاء الامانة العامة وفاعليات سياسية وحزبية واجتماعية وروحية واقتصادية، وحشد من المناصرين. كلمات وانسحاب غير ان حضور ممثلي سليمان وبري وقيادة الجيش لم يدم طويلا، بعد القاء عدد من الخطباء كلماتهم، واوضح مصدر رئاسي ل «الحياة» انه جرى «سحب التمثيل (الوزير نجار بقي حاضراً بصفته الشخصية) احتجاجاً على كلام طاول رئيس دولة عربية». ورفعت على الجدران المحيطة بالحضور صورة لأعضاء «الجبهة اللبنانية»، واخرى للرئيس بشير الجميل، وصورة من احداث زحله، وصورة لقداس الشهداء الاول عام 1992 في بازيليك سيدة لبنان - حريصا، وصورة لجعجع أثناء المحاكمات، صورة لنعش ابيض مع اعلام قواتية، وصورة عن احداث 7 آب، وصورة لجماهير 14 آذار في 2005. وقالت النائب ستريدا جعجع في كلمتها: «كلما ابتعدت الذكرى في الزمن، توضحت الرؤية وتبلور حجم المعاناة وترسخ الإيمان بأننا كنا على الدرب الصحيح، بل كنا أقرب الى الجنون في صمودنا ورهاننا شبه المستحيل، لكننا انتصرنا». وتحدثت عن «تجربة مجموعة قاومت وناضلت على مدى أحد عشر عاماً وثلاثة أشهر من دون ان تسمح لليأس ان يتغلب عليها، عن شباب لوحقوا استدعاء واعتقالا وتنكيلا وبلغ عددهم نحو 6000 شاب وشابة، وأخص بالذكر رفيقتنا أنطوانيت شاهين». واشارت الى «محاولة شرذمة القوات». وحيت «الكنيسة في لبنان وعلى رأسها البطريرك الماروني نصرالله صفير الذي أدرك منذ البدايات الظلم اللاحق بالقوات وجعجع، ولم يتأخر مرة عن احتضان قضيتنا ومعاناتنا». واسترجع عضو كتلة «المستقبل» النيابية عاطف مجدلاني زيارته لجعجع في سجنه، وسؤاله لمجدلاني: «هل انا هنا لأنني سلمت سلاح القوات للدولة ام لأنني نفذت اتفاق الطائف؟»، وقال: «اليوم طوينا صفحة لكن الثمن كان غالياً جداً بدءاً من استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وصولاً الى تضحيات الشهداء الاحياء». وقال: «الاكيد ان لبنان يستأهل ان نضحي من اجله». واسترجع رئيس جمعية «حقوق الانسان والحق الانساني» وائل خير «الانتهاكات التي ارتكبت في توقيف جعجع ومحاكمته»، فيما تحدث الاعلامي ميشال حجي جورجيو عن «المرحلة السياسية القمعية التي مورست على لبنان لإفقاده مناعته فسقطنا واحداً تلو الآخر بوجه الهيمنة، اليوم الحملة لا تزال مستمرة». وتحدثت الاعلامية مي الشدياق عن سورية «التي لم تغادر سياستها القديمة في التعالي والاستكبار»، قائلة: «35 ألف جندي على دمائنا خرجوا ولن يعودوا ولو كان الثمن الموت والتضحية». وقالت: «لسنا نحن من يدعي المقاومة ويقوم بالتفاوض من تحت الطاولة مع الإسرائيليين». وأكدت «صلابة كل من الرئيس فؤاد السنيورة وسمير جعجع التي تزعجهم»، مشددة على أن «14 آذار بجمهورها قوية ولن نرضخ لمنطقهم التهويلي». وقال النائب أحمد فتفت باسم «تيار المستقبل» إن «14 آذار حاجة وطنية وعربية وانسانية، ونحن مصرون على الوحدة والشراكة مع حلفائنا ليس في الانتخابات فقط بل لبناء الوطن واستراتيجية دفاعية، وبناء وطن سيد حر مستقل». واعتبر المطران غي بولس نجيم ان «تحرك المنظمات الاهلية احتجاجاً على الاحكام الاعتباطية بحق جعجع أثر كثيراً على قضيته»، سائلا عمن نفذ جريمة تفجير كنيسة سيدة النجاة «بعدما برئ منها جعجع». جعجع وتوجه جعجع في بداية كلمته بشكر «كبير» الى الرئيس نبيه بري «الذي اثبت انه بغض النظر عن الاختلافات السياسية لا يقبل التصرف الا كرئيس مؤسسة دستورية مسؤول عنها ولم يقبل الا ان يبعث بممثل له النائب روبير فاضل، وحين نصبح كلنا نتصرف من منطلق دستوري ومؤسسات دستورية اعتقد ان كل مشكلات لبنان مهما كانت كبيرة تحل، والشخص الثاني لا اريد ان اشكره انما اريد تحيته تحية كبيرة جداً الى الصديق ورفيق النضال دولة رئيس الحكومة سعد الحريري ممثلا بالوزير حسن منيمنة». وقال جعجع: «عند استعراض احداث المرحلة السابقة، أجد نفسي عاجزاً عن المرور عليها، من دون أن أنحني أمام أوجاع وعذابات وآلام وتضحيات مئات وآلاف القواتيين الذين بالعهد تشبثوا، وعلى رغم كل شيء استمروا». وتوقف عند تاريخ 14 آذار 2005، وقال: «كيف لي أن انسى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم، وغيرهم، عشرات لا بل مئات المواطنين الأعزاء، الذين سقطوا ضحية التفجيرات الأمنية المجرمة، والأحداث المتفرقة، التي كانت تستهدف أولا بأول، وقف اندفاعة ثورة الأرز، وإسقاط استقلالنا الثاني، قبل تجذره. واسمحوا لي أن أستذكر شهداء للقوات اللبنانية، سقطوا قبل موعد الشهادة حتى، ونحن مدينون لهم بالحقيقة والعدالة». وسأل جعجع عن سبب «كل هذه الحملات، بطريقة أو بأخرى، مباشرة او مداورة، على المحكمة الدولية، وكيف يمكن بكل الأحوال لأعمال المحكمة أن تهدد الاستقرار في لبنان؟»، وقال: «إذا كانت أدلة وقرائن ووقائع المحكمة غير مقنعة أو مسيسة أو مزورة، فسيتبين ذلك فوراً، لأن أعمال المحكمة ليست سرية، وسيكون كل الناس، ونحن في طليعتهم، أعيناً وآذاناً، لتفحص أدق تفاصيل الإدعاء، لأننا لن نرضى العبث بدماء شهدائنا. أما اذا كانت أدلة وقرائن المحكمة الدولية، دقيقة، ساطعة وأكيدة، فلماذا يهدد ذلك الاستقرار في لبنان؟». «حرب على المؤسسات» ورأى جعجع ان «الحرب الشاملة، التي نشهدها في الوقت الحاضر، على المؤسسات الدستورية كافة، خير دليل على ذلك. فهذا يريد استقالة رئيس الجمهورية لأسباب لم نفهمها، ولم يفهمها أحد، وذاك يُرغي ويزبد ضد المجلس النيابي ولجانه والفرقاء السياسيين كافة، ويهدد بأنه، ومهما يكن رأي اكثرية المجلس النيابي، لن تكون هناك انتخابات بلدية ما لم تكن بشروطه. والآخر يحوّل اتفاق هبة تجهيز وتدريب أميركية، لقوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، الى واحدة من اتفاقات «سالت» للأسلحة النووية، ويستفيد منها فرصة للانقضاض على حكومة سابقة، وعلى قوى الامن الداخلي. وآخرون، يعززون القواعد العسكرية الفلسطينية خارج المخيمات، ويرسلون مزيداً من الاسلحة والمقاتلين الى داخلها، في الوقت الذي كنا جميعاً ننتظر العكس». واعتبر جعجع «ان الهجمة اليوم أكبر من اي وقت مضى، لذلك نحن لها بالمرصاد، وبكل ما أوتينا من جرأة وعزم وايمان»، داعياً الجميع الى «الوقوف صفاً واحداً، خلف مؤسساتنا الدستورية، من رئاسة الجمهورية، الى الحكومة ومجلس النواب، كما خلف اداراتنا الرسمية، خصوصاً العسكرية». وقال: «الدولة والحرية في لبنان في خطر، ولا يمكن درء هذا الخطر إلا بالمؤسسات الدستورية، وسيادة القانون. لا عودة للعبودية، ولا عودة للنظام الامني، ولا عودة لشبه الدولة، ولا عودة لاستباحة لبنان، التاريخ لم يعد يوماً الى الوراء، ولن يعود». وتمنى لو ان كلامه «اليوم في الاقتصاد والتربية والبيئة والبنى التحتية والانماء ومشاكل الاتصالات، التي يعانيها المواطن تقريباً في كل اتصال يُجريه، خصوصاً أن لجنة الاتصالات النيابية مشغولة بإيجاد ذرائع، لرميها للمستنفرين المُكلفين مهاجمة الرئيس فؤاد السنيورة، وهم أكفاء للقيام بمهمة كهذه... ولكن كيف لي بكل هذا ولبنان في خطر؟ خطر مصادرة قراره من جديد، ومصادرة حرياتنا من جديد، وخطر اشدّ وادهى بعد، وهو أن يُقدم ذبيحة على مذبح ازمات المنطقة المعقدة، وهذا ما استدعى انعقاد المؤتمر الأخير لحركة 14 آذار، تحت عنوان «حماية لبنان». وشدد على ان «حفظ الوطن وحماية لبنان سيتصدران اولوية اهتماماتنا، حتى إشعار آخر». وزاد: «لا حماية للبنان ولا استراتيجية دفاعية من دون دولة، ولا دولة من دون وجود القرار كل القرار، فيها ولها. واكبر خدمة نقدّمها لأعداء لبنان، وفي مقدمهم اسرائيل، هي تغييب الدولة. والدولة، بالفعل اليوم، مغيبة عن كثير مما يجري حالياً على اراضيها، في المجالات العسكرية والأمنية». واضاف: «اكبر خدمة نقدّمها لأعداء لبنان، وفي مقدمهم اسرائيل، هي شرذمة الصف الداخلي اللبناني. وليس من عامل اشد فعلا في شرذمة الصف الداخلي، اكثر من نكران حق الآخرين، في المناقشة وإبداء الرأي، واتخاذ الموقف، إن كان الموضوع موضوع سلاح «حزب الله» ام جنس الملائكة ام سواه، والبعض يقوم كل يوم بنكران حق الآخرين بإبداء الرأي من خلال تخوينهم، كلما ابدوا رأياً لا يعجبه، والتهجم الشخصي عليهم، وافتعال المشكلات لهم. وبالتالي عن اي استراتيجية يتكلمون؟ واي نتائج يتوخون، اذا كانوا كل يوم، يضربون بعرض الحائط المرتكزات الأولية الجوهرية المطلوبة، لنجاح اي استراتيجية دفاعية: وحدة القرار في الدولة ووحدة الشعب». واعتبر ان «الأمر الواقع العسكري والأمني الحالي في لبنان، موروث من ايام الوصاية، وليس نتيجة مناقشات هادئة، رصينة وجديّة بين اللبنانيين؛ لذلك فهو لا يشكل استراتيجية دفاعية، بالمعنى الفعلي للكلمة، عدا عن أنه ليس موضع إجماع. وما علينا فعله، وبأسرع ما يكون، هو من جهة، وضع قرار الدفاع عن لبنان لدى الحكومة اللبنانية، ومن جهة ثانية، مناقشة فعلية جدية وبالعمق، على طاولة الحوار، للإستراتيجية الدفاعية الأفضل للبنان». وتابع: «حماية لبنان لا تقوم على مصادرة فريق من اللبنانيين قرار الدفاع عن لبنان، واستبعاد الدولة اللبنانية، وكل الآخرين عنه. وخطوة وضع قرار الدفاع عن لبنان داخل مجلس الوزراء، السلطة التنفيذية الشرعية القانونية للبلاد، وحيث الجميع ممثل، هي الخطوة الأولى والأساسية المطلوبة في الاتجاه الصحيح». «فلسطين مفتاح الحلول» واذ اكد ان شعار «لبنان اولاً» لا يعني «بأي حال من الأحوال تقوقعاً أو انعزالاً، خصوصاً عن عالمنا العربي الأوسع»، رأى «ان العالم العربي، يعيش منذ اكثر من نصف قرن، مأساة كبيرة، اسمها القضية الفلسطينية، وإذا كان لنا كلبنانيين، تجربة مرة ومؤلمة، مع السلاح الفلسطيني في السبعينات، فهذا امر تجاوزناه، ولن يؤثر لحظة على نظرتنا للقضية الفلسطينية. ان نظرتنا نحن، كقوات لبنانية، للقضية الفلسطينية، لا تنبع لا من الإيديولوجيا، ولا من الدين ولا من العرق، بل من شعور عميق وواع بالحق، وبوقائع التاريخ والجغرافيا، كما بالحقائق الإنسانية الكبرى. ليس مقبولا في القرن الحادي والعشرين، ان يعيش شعبٌ بأكمله مشتتاً، بعيداً من أرضه، ومن دون دولة. ولا نعتقدن لحظة، بأنه يمكن حل اي من مشاكل الشرق الأوسط، قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة حرة. إن بقاء القضية الفلسطينية من دون حل، يفتح الباب على مصراعيه للتطرف في كل الاتجاهات، كما يفتح المجال واسعاً، امام الأنظمة اللاديموقراطية في المنطقة، للحد اكثر فأكثر من الحريات، تحت حجة ان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». وقال: «اذا اردنا التخلص، من الكثير من الأدران والفطريات، في مجتمعاتنا العربية، فليس من طريق اقصر من حل عادل محق وشامل للقضية الفلسطينية وادعو الحكومة اللبنانية، والحكومات العربية، والدول الأجنبية كافة، الى وضع كل ثقلها على الإطلاق، لإنجاح مساعي السلام الحالية المتعثرة، بكل الطرق المتوافرة، لأن لا حل لأي من مشاكل المنطقة، ولكثير من مشاكل العالم، من دون حل عادل وشامل ونهائي للقضية الفلسطينية». ودعا المسيحيين في لبنان بشكل عام، «الى الانخراط الفعلي في الدولة، ادارة ومؤسسات، لتصحيح الخلل، الذي أوجده عهد الوصاية، ولتعزيز مسيرة الدولة واستمراريتها».