الإعلان عن جدية البحث في دعم تيار «المستقبل» ترشح رئيس تيار»المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية بعد لقائه الرئيس سعد الحريري في باريس سبقه الكثير من التمهيدات التي قادت الرجلين إلى الاجتماع في باريس في منزل الثاني. وكانت «الحياة» أشارت في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى بداية تحرك فرنجية مع قيادة «حزب الله» في شأن ترشحه. وكشفت مصادر سياسية متعددة ل»الحياة» جانباً من المبررات والحجج التي أدت إلى هذا التحول في موقف الفريقين، لا سيما الحريري، وفق ما يسوقها كل من محيطيهما، سواء أمام بعضهما بعضاً أم استناداً إلى ما علمت به قوى سياسية واكبت ما جرى وراء الكواليس أو اطلعت على جانب منه بعد حصول اللقاء. وتنشر «الحياة» بعضاً من خلفيات أو تبريرات اللقاء بينهما. فمن جهة فرنجية يمكن سرد الآتي: - هو لن يترك صداقته مع الرئيس السوري بشار الأسد، لكنه ليس هو الذي يستطيع إبقاءه في منصبه في دمشق وليس تيار «المستقبل» وقوى 14 آذار من تستطيع إطاحته. كما أنه إذا أصبح رئيساً ليس ضرورياً أن يعقد علاقة مع الأسد رسمية باسم لبنان تستفز فريقاً كبيراً في ظل الانقسام الكبير حول الوضع السوري. وهذا قد يعني مثلاً ألا يزور الأسد كرئيس بل يمكنه مواصلة علاقته به في شكل شخصي. فك الارتباط - في ظل التدويل الذي بلغته الأزمة السورية وتعاظمها وعدم اتضاح الحلول لها، لا بد من قدر من فك الارتباط بين هذه الأزمة وبين الوضع المسدود الأفق في لبنان. - إن انسداد الآفاق أمام الاستمرار في ترشيح العماد ميشال عون دفعه إلى التحرك مع بداية الصيف الماضي مع حلفائه ومع عدد من عواصم القرار لاستكشاف إمكان اعتماده مخرجاً لاستمرار الشغور الرئاسي. وهذا شمل الأميركيين عبر السفير السابق في بيروت ديفيد هيل الذي بدا مقتنعاً بهذا الخيار وأسر به إلى عدد من السياسيين اللبنانيين. (الأميركيون عادوا فتشاوروا مع عواصم أخرى) كالفرنسيين والسعوديين وربما البريطانيين، ولم يلق اعتراضاً من هؤلاء. فبعض المسؤولين الأميركيين يردد منذ مدة ضرورة ملء الفراغ الرئاسي «بأي رئيس». - إن «حزب الله» أيد تحركه هذا ونصح بانتزاع موافقة الفريق الآخر قبل اعتماده كخيار للتأكد من تبني ترشيحه من «المستقبل» ومن عدم معارضة السعودية، حتى لا تتكرر تجربة الوعود التي أعطيت للعماد عون، على أن يتولى الحزب إقناع العماد عون به، وأن يتولى «المستقبل» إقناع «القوات اللبنانية». العلاقة مع السعودية - إن فرنجية يردد منذ فترة أنه حافظ على علاقته مع السعودية ولم يهاجمها في أي مرة مثلما فعل قادة «8 آذار» و«حزب الله». وهو مستعد لزيارة الرياض إذا تأكد من عدم ممانعتها توليه الرئاسة. وبعض المصادر يقول إن لقاءات عقدت بينه وبين شخصيات سعودية في بيروت بعيداً من الأضواء، بل أن هناك اعتقاداً أن الرياض قد تلعب دوراً في إقناع المعترضين مثل جعجع به. - إن فرنجية في حال بات رئيساً يرى أن رئاسة الحكومة يجب أن تكون لسعد الحريري، وأنه في كل الأحوال يميل إلى التعاطي مع السلطة التنفيذية على أنها تقوم على التعاون وعلى التناوب في رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء. - إن البحث في القضايا العالقة في البلد ومنها قانون الانتخاب لا بد من أن تأخذ في الاعتبار مواقف الجميع. وفرنجية ليس متحمساً للنظام النسبي أساساً لأنه يتضرر منه. لكن سيكون له تصور حول القانون. - إن تدخل حزب الله في سورية ليس مسألة يستطيع رئيس الجمهورية التأثير فيها أو الضغط من أجل انسحابه لأنه شأن إقليمي، وفرنجية يقتصر موقفه حيال الحزب على دعمه المقاومة. أما من جهة الحريري فيمكن سوق الآتي من الحجج لقبوله التنازل لمصلحة تلمس الطريق إلى اعتماد فرنجية، كالآتي: - إن زعيم «المستقبل» يردد منذ سنة أن الفراغ في الرئاسة لم يعد يحتمل، لأنه تتوالد منه مشاكل وأزمات أخرى على كل الصعد تلقي بحملها أكثر ما تلقي على كاهل الحريري وتياره، سياسياً واقتصادياً في كل مرة تتفاقم الأمور، وبالتالي لا بد من إنهاء الشغور الرئاسي، وإعطائه الأولوية لإنهاء الفراغ. وهذا ما دفعه سابقاً إلى الانفتاح على العماد ميشال عون. - إن حلفاءه لم يتجاوبوا معه حين طرح خيار عون وكذلك بعض أركان فريقه، وأصدقائه الإقليميين، والذي جاء تحت عنوان إنهاء الشغور. - إن المخاوف من انزلاق البلد نحو الانهيار الذي يصيب القوى السياسية المعتدلة، لمصلحة إفادة التطرف و»داعش» من ذلك، يجعل تيار «المستقبل» يتصرف كما سبق أن فعل على أنه «أم الصبي» فعلاً مهما رأى البعض في ذلك من سذاجة، في ظل التعقيدات الإقليمية. - إن محيطين بفرنجية تواصلوا مع بعض المحيطين بالحريري منذ الصيف الماضي طارحين فكرة التقارب والتفاهم. وأخذ الأمر طابع الأسئلة من الفريق الثاني والأجوبة من الفريق الأول. وشمل ذلك التأكيد أن رئاسة الحكومة للحريري ليست مسألة تتقرر من الفريق الآخر، وأن استكشاف الموقف من العناوين السياسية المطروحة في البلد أكد على تطبيق اتفاق الطائف وعلى الحفاظ على الصيغة الحالية للنظام السياسي، وفصل أزمة لبنان عن الأزمة السورية. لكن هذا لا يلغي من الحساب أن الحريري سيعود إلى الرئاسة الثالثة. - إن زعيم «المستقبل» تيقن قبل التعمق في البحث مع فرنجية بأن لا ممانعة دولية وإقليمية وسعودية أمام البحث في خيار رئيس «المردة». - بغض النظر عن القبول بفرنجية للرئاسة فإن الأمر مرتبط أيضاً بمواقف القوى المسيحية الأخرى. - لا بد من استكشاف الموقف السياسي لحلفاء فرنجية في ضوء إعلان الأمين العام ل«حزب الله» السيد حسن نصر الله استعداده للتسوية السياسية الشاملة الذي يتعاطى معه محيط الحريري بإيجابية. فالنقاش المباشر وغير المباشر مع فرنجية تناول الكثير من التفاصيل، وتبقى كمية من التفاصيل الأخرى التي تحتاج إلى تناولها. هذا فضلاً عن ضرورة معرفة إلى أي حد يستطيع الحزب الالتزام بمبدأ فك الارتباط بين الأزمة السورية ولبنان في ظل استمرار تدخله في سورية بقرار من مرجعيته الإيرانية. لكن مع التسليم بأن انسحابه من سورية مسألة أكبر من الفرقاء اللبنانيين. تعليق الموقف المبدئي - لا بد من تعليق المواقف المبدئية المفهومة عند فريق 14 آذار و»المستقبل» والتي ترفض بالمبدأ مجيء رئيس من «8 آذار» لأن رئيس البرلمان هو من هذا الفريق، ولأن معادلة رئيس من «8 آذار» مقابل رئيس حكومة من «14 آذار» لا تستقيم مع الواقع القائل أن الأول منتخب لست سنوات ولا يمكن إزاحته فيما رئيس الحكومة منتخب من البرلمان ويمكن إزاحته من قبل النواب، أو عبر استقالة عدد من الوزراء كما حصل مع الحريري آخر عام 2010. والهدف من تعليق الموقف المبدئي هو سبر أغوار الفريق الآخر وفرنجية بالذات. - يقتضي توضيح الأمور عدم التسرع في اتخاذ الخيار النهائي واعتماده علناً بدعم فرنجية، في انتظار استجلاء موقفه من عدد من القضايا، لا سيما أهمية التفاهم على قانون الانتخاب الذي لا تصور جاهزاً حوله من رئيس «المردة» على رغم أنه جزء من التسوية، وكذلك استجلاء مواقف حلفائه.