أظهرت دراسات حديثة ارتفاع معدلات الإنتحار في دول أوروبية وربطتها بإجراءات التقشف المتبعة في الدول موضوع الدراسة، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، وأزمة الديون في منطقة اليورو. ودرس الباحثون العلاقة المباشرة بين معدلات الإنتحار وآثار فقدان الإيرادات وخفض الإنفاق الحكومي وبطالة الشباب، واستنتجوا أن انخفاض نسبة الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى خفض الأجور في الدول الضعيفة في منطقة اليورو، أدى إلى إرتفاع معدلات الانتحار بنسبة 0.9 في المئة في جميع الفئات العمرية. وأظهرت الدراسة التي قامت بها جامعة «وبستر» وجامعة «بورتسيموث» الخاصة في فيينا، وجامعة «بريستول» البريطانية، أن آثار الحد من الإنفاق الحكومي تؤثر أكثرعلى الذكور ما بين 65 و85 عاماً، مشيرة إلى انتحار ألفين و325 شخصاً من هذه الفئة العمرية في الفترة بين العامين 2011 و2012، كنتيجة مباشرة لسياسة التقشف. وأفادت الدراسة أنه خلال خمس سنوات من التقشف، بين العامي 2009 و2014، انتحر 4555 رجلاً من الفئة العمرية (65 و85 عاماً)، بسبب التقاعد وخفض الأجور كسبب رئيس. وأكدت الدراسة أن زيادة معدل البطالة بنسبة واحد في المئة، يقابلها 1.48 في المئة من حالات الانتحار، مشيرة إلى انتحار 175 رجلاً، بين العامين 2011 و2012، من هذه الفئة العمرية. وذكرت أن بين النساء اللواتي تراوحت أعمارهن بين 24 و44 عاماً، كان السبب الرئيسي لارتفاع معدلات الانتحار هوالطلاق. وتقدر منظمة الصحة العالمية إقدام مليون شخص تقريباً على الإنتحار كل عام بمعدل 16 لكل 100 ألف، أو واحد كل 40 ثانية. وتلفت المنظمة أيضا إلى أنه لكل حالة انتحار هناك ما يصل إلى 20 محاولة. وفي دراسة لمعدل الانتحار في اليونان، اكتشف الباحثون زيادة بنسبة الثلث منذ بدء أثينا تطبيق اجراءات التقشف الصارمة في حزيران (يونيو) 2011 إثر ازمة الديون. وبحسب الإحصاءات التي أعلن عنها مفتشو الصحة في اليونان، فإن عدد المنتحرين شهريا قفز بعد تطبيق اجراءات التقشف بنسبة 35.7 في المئة مقارنة بما كان عليه في الاشهر السابقة. وظلت هذه الزيادة الشهرية على حالها حتى نهاية العام 2011، وفي العام 2012، آخر سنة شملتها الدراسة، ارتفعت اعداد المنتحرين اكثر وبلغت مستوى قياسيا غير مسبوق، وذلك استنادا الى الاحصاءات المجمعة منذ مطلع العام 1983 وحتى نهاية 2012. وخلال هذه السنوات الثلاثين، بلغ عدد الوفيات الناجمة عن عمليات انتحار 11 ألفاً و505 أشخاص، موزعة على أكثر من 9 آلاف رجلا وأكثر من ألفين إمرأة. وعمد الباحثون، وهم اميركيون ويونانيون، الى مقارنة معدلات المنتحرين خلال 12 محطة اقتصادية شهدتها البلاد في العقود الثلاثة، فتبين لهم أن معدلات الانتحار انخفضت في كل مرة كان فيها الحدث الاقتصادي ايجابياً. وفي المقابل ارتفعت معدلات الإنتحار في كل مرحلة شه\ت حدثاً اقتصادياً سيئاً. وبدأت معدلات الانتحار ترتفع بنسبة ملحوظة في تشرين الأول (اكتوبر) 2008 فترة اندلاع الازمة المالية وبلغت نسبة الزيادة في ذلك الشهر 13 في المئة بين الرجال. وزادت معدلات الانتحار اكثر في العام 2011 حين طبقت الحكومة اجراءات تقشفية صارمة مقابل حصولها على حزمة مساعدات دولية. وفي العام 2013 أظهرت دراسة أن معدل الإنتحار في اسبانيا زاد بنسبة 8 في المئة إثر بدء الازمة المالية بهذا البلد في العام 2008. أما الدنمارك التي تتمتع بواحد من أفضل أنظمة الرعاية الاجتماعية في العالم، فقالت إنها تعتزم خفض معدل الباحثين عن عمل وتقليص الامتيازات الممنوحة للأسر وخفض مرتبات الوزراء، كما أعلنت فرنسا عن خطة لثلاث سنوات لتجميد إنفاق القطاع الحكومي تبدأ في العام 2011. وقالت إنها تعتزم رفع سن التقاعد إلى 65 سنة. وأعلنت الحكومة الإيطالية عن إجراءات تقشف لخفض الإنفاق ب24 بليون يورو (29.4 بليون دولار) خلال العامين 2011 و2012 بما في ذلك تجميد مرتبات العاملين في القطاع العام لمدة ثلاث سنوات، وخفض مرتبات الوزراء وفرض ضرائب على الأسهم والعلاوات. وتتضمن خطة تقشف أعلنتها البرتغال زيادة في ضريبة المبيعات بنسبة 1 في المئة إلى 21 في المئة، وخفضاً في مرتبات المسؤولين في القطاع العام وزيادة ضريبية على ذوي المداخيل العالية.