بعد أقل من أسبوع على تبليغ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأن إسرائيل لن تفاجئ الولاياتالمتحدة بقرارات بناء استيطاني جديدة في القدسالمحتلة، وأنه عيّن هيئة خاصة في مكتبه لمتابعة مخططات البناء التي تدرسها لجان التخطيط والبناء، أعلنت البلدية الإسرائيلية للقدس رسمياً أمس أنها منحت كل التصاريح اللازمة لجمعية «عطيرت كوهانيم» الاستيطانية التي يقف وراءها المليونير اليهودي الأميركي اروين موسكوفتش، للشروع في البناء في حي الشيخ جراح في قلب المدينةالمحتلة. وبموجب المخطط الجديد، سيتم في المرحلة الأولى بناء 20 وحدة سكنية للمستوطنين في محيط فندق شيبرد الواقع في الحي، وسيتم شق طرق جديدة إلى هذه الشقق وبناء ثلاث طبقات لمواقف السيارات، كل ذلك في موازاة طرد عشرات العائلات الفلسطينية التي تقطن الحي. ومرة أخرى، ادعت أوساط نتانياهو أن لا علم لديها بقرار البلدية، فيما اعتبرت الأخيرة نشر الخبر عن قرارها «زائفاً يراد منه خلق استفزازات خلال زيارة رئيس الحكومة للولايات المتحدة». واعتبر عضو البلدية اليشاع بيليغ القرار «مجرد خطوة فنية في الطريق للموافقة على بناء 100 منزل». وأضاف في حديث للإذاعة العسكرية: «سنواصل البناء في كل أنحاء القدس ... في الشيخ جراح وراس العامود أيضاً». ونقلت وكالة «رويترز» عن كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أن الرئيس محمود عباس «مصمم على الغاء خطط البناء في حي الشيخ جراح، إضافة إلى خطط نشرت قبل أسبوعين لبناء 1600 وحدة استيطانية أخرى في القدسالشرقية». وقال: «عندما نقول إن نتانياهو لديه خيار، إما السلام أو الاستيطان، يبدو أنه يصر على اختيار الاستيطان». وكانت قضية البناء الاستيطاني في حي الشيخ جراح اندلعت في تموز (يوليو) الماضي وأثارت غضب الولاياتالمتحدة وبريطانيا اللتين طالبتا إسرائيل بالتوقف عن هدم المنازل الفلسطينية، لكن إسرائيل ردت رسمياً بتأكيد رفضها طلباً أميركياً وبريطانياً بوقف بناء حي استيطاني جديد في قلب حي الشيخ جراح بداعي «أن القدس الموحدة هي عاصمة الشعب اليهودي في دولة إسرائيل، وسيادتنا على المدينة لا تتزعزع، ومن حق سكانها بناء أو شراء بيوت في كل أرجائها»، كما قال نتانياهو في حينه، مضيفاً ان «القدس خارج أي نقاش». وكانت وزارة الخارجية الأميركية استدعت وقتها السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل اورن «لتقديم توضيحات» في شأن هذا المشروع، كما أبلغته معارضة واشنطن واحتجاجها على بناء الحي الجديد «لأن ذلك سيؤدي إلى تغيير طابع المنطقة من الناحية الديموغرافية» ويمس بالفلسطينيين، فضلاً عن أنه يمس بالجهود الأميركية لاستئناف العملية السياسية في المنطقة. وجاء الطلب الأميركي في أعقاب مطالبة الرئيس محمود عباس الإدارة الأميركية بالتدخل لوقف المشروع. ورد اورن بالقول إن الحديث هو عن «بناء خاص» وليس عام، وعلى أرض بملكية خاصة حصل صاحبها على كل التصاريح اللازمة من لجنة التخطيط والبناء التابعة للبلدية. وأضاف أنه لا توجد للحكومة صلاحية قانونية لوقف البناء. يذكر أن إسرائيل صادرت بعد احتلالها القدس عام 1967 الأرض في الشيخ جراح بعدما كانت ملكاً للدولة الأردنية، وعرفت ب «كرم المفتي» حيث منزل المفتي الراحل الحاج أمين الحسيني وفندق شيبرد، ثم باعتها عام 1985 للمليونير اليهودي الاميركي ارفينغ موسكوفيتش، ممول الجماعات اليهودية القومية المتطرفة الناشطة لتهويد القدس. وكان موسكوفتش أعلن مع شرائه الأرض عزمه على إقامة حي يهودي في إطار خطته لإحاطة البلدة القديمة بأحياء يهودية استيطانية ومنع أي إمكانية لانسحاب إسرائيلي في المستقبل من القدسالشرقية. لكن التأخير في منحه تصاريح بناء دفعه إلى تأجيرها للحكومة الإسرائيلية التي أقامت فيها مقراً للشرطة ووحدة ل «حرس الحدود»، حتى عام 2003، ومنذ ذلك الوقت بقيت مهجورة. وكانت البلدية الإسرائيلية للقدس امتنعت خلال أكثر من 20 عاماً عن إعطاء تصاريح البناء في منطقة الفندق لتفادي موقف دولي معارض للبناء في منطقة حساسة الغرض منه تهويد المدينة. لكن في نيسان (أبريل) الماضي، أعطى رئيس البلدية الاسرائيلية الجديد للقدس نير بركات الضوء الأخضر لإصدار التصاريح اللازمة لموسكوفتش لبناء 20 وحدة سكنية من مجموع 390 وحدة يتم التخطيط لإقامتها، مشترطاً عدم المس ببيت المفتي والمحافظة عليه لتحويله موقعاً أثرياً محمياً. واستثمر موسكوفتش (80 سنة) مبالغ كبيرة في تهويد القدس، وسبق له أن بنى حياً كاملاً يضم نحو 150 شقة سكنية يحمل اسمه في قلب حي راس العمود، وآخر في جبل أبو غنيم، إضافة إلى تمويل بناء في مستوطنات أخرى في الضفة الغربية.