«معقول؟! الدكتور محمد يربي حماراً في فيلته؟!» انتشر الخبر انتشاراً سريعاً بين بقية سكان المنتجع الراقي في مدينة الشروق المتاخمة للقاهرة. وعلى رغم أن مصدر الخبر كان الأولاد الصغار الذين يلهون بدراجاتهم في شوارع المنتجع، ذهب ذووهم إلى المكان ليتأكدوا بأنفسهم من صحته. صحيح أنهم لم يروا حمار الدكتور محمد كاملاً، ولكنهم رأوا أجزاء منه عبر السور الحديدي الضخم المعضد بأشجار الفاكهة الوارفة التي تحيط بالفيلا ضماناً للخصوصية. ولأن معظم سكان المنتجع نزحوا إليه بسبب ازدحام القاهرة، بحثاً عن رفاهية متميزة وترسيخاً لطبقة اجتماعية ذات قدرات اقتصادية متمكنة. عمت حالة من السخط بين السكان الذين قرروا التعامل بحذر شديد مع الموقف، لا سيما أنهم يعرفون جيداً أن القانون يكفل للدكتور محمد حق تربية الحيوان الأليف الذي يختاره، وأنهم، وللحقيقة، لم يسمعوا صوت نهيق الحمار يصدح في أركان المنتجع بعد، وهو ما كان يمكن أن يكفل لهم حق الشكوى من الإزعاج. وبعد شد وجذب طويلين، اجمعت الآراء على أن يتوجه كبيرهم، وهو طبيب بشري تخطى حاجز السبعين ليناقش الدكتور محمد في اختياره هذا الحيوان، ويحاول إقناعه بأن وجوده في المنتجع سُبة في جبين سكانه الاجتماعية. وما أن اجتاز الطبيب بوابة الحديقة حتى فوجئ ب «الحمار» يأتي راكضاً من آخر الحديقة متوجهاً نحوه وهو ينبح. كانت المفاجأة كبيرة، فحمار الدكتور محمد لم يكن سوى كلب ضخم نادر من فصيلة سان برنار. وهذا ال «سان برنار» كلف الدكتور محمد ما يزيد على 1200 دولار غير تكاليف شحنه من الولاياتالمتحدة، حيث كان يقيم، إضافة إلى ما لا يقل عن 400 جنيه مصري شهرياً، كلفة طعامه ولقاحاته ومكملات الغذاء التي يتناولها، والتي ترتفع إلى نحو 500 جنيه في اشهر الصيف، حين يحتاج إلى نظام خاص لتبريد الجو في بيته الخشبي، نظراً إلى أن الكلب لا يتحمل حرارة صيف مصر القائظ. ولكن ليست كل الحيوانات الأليفة الغريبة مكلفة إلى هذا الحد. فأيمن (17 سنة) يفخر بصديقه المتلوّن «راتاتا» الذي اشتراه ب25 جنيهاً فقط لا غير، من «سوق التونسي» أو «سوق الأحد» في القاهرة. أما كلفة غذائه فلا شيء يّذكر، اللهم إلا إذا اعتبرنا تعليقات والده ووالدته اللاذعة يومياً مكلفة من الناحية النفسية. ف «راتاتا» من الزواحف لا يأكل سوى الحشرات المتوافرة في البيئة من دون مقابل. ويقول أيمن: «في البداية، كان سكان شارعنا يتعجبون لما اقوم به. فهناك صندوق مهملات ضخم عند أول الشارع يجذب أعداداً مهولة من الذباب، أتوجه إليه يومياً لاصطياد وجبة شهية ل «راتاتا». أما الآن، فقد اعتادوا هذا المشهد». تربية الحيوانات الأليفة ليست من الهوايات المنتشرة في مصر، والأسباب كثيرة. أولها يعود إلى المستوى الاقتصادي المتواضع لكثيرين، ما يجعل الغالبية تعتبر تربية الحيوانات شكلاً من أشكال الرفاهية. ولعل عبارة «حين أضمن لقمة عيشي أنا وأبنائي، قد افكر في تربية حيوان» هي الرد المؤكد لدى سؤال المواطن العادي عن موقفه من تربية قطة أو عصافير في البيت. السبب الثاني يعود إلى ضيق مساحات البيوت، إذ أن معظم الشقق السكنية تميل إلى الضيق. وهناك بالطبع أسباب دينية تتعلق بوجود كلب داخل البيت. إلا أن شيوع ظاهرة المنتجعات السكينة المغلقة، حيث الفيلات ذات الحدائق المحيطة بالقاهرة أسفر عن ظاهرة موازية ألا وهي تربية الكلاب بغرض الحراسة أو الوجاهة الاجتماعية أو كلتيهما. بقيت ملاحظة عابرة وإن كانت تستحق التأمل. فعلى رغم الازدحام الخانق، وظروف المعيشة البالغة الصعوبة، والأحوال الاقتصادية المتدنية، ترى في أكثر الأحيان صاحب محل تجاري صغير أو حارس عمارة يحرص على إطعام قطط الشارع الضالة. كما أن عادة وضع صحن صغير وفيه حبوب أو بقايا خبز على النوافذ، لتجتذب العصافير واليمام والحمام، وأحياناً الغربان، هي عادة مصرية شعبية منتشرة منذ قديم الزمان.